حينما شاهدته يجلس إلى جانب مدربه في إحدى استراحات جدة، بدا الطفل ذو السبع سنوات نواف العرفي أقل مما نسمع عنه، كطفل يتأهل لحمل الحزام الأسود في التايكوندو، فهذه اللعبة التي استعار حركاتها الكوريون من بطش ورشاقة النمر الآسيوي لا تبدو مناسبة لطفل في هذا العمر. لكن نواف قطع علينا هذه الصورة عندما قال إن أول ما يتعلمه لاعب التايكوندو التسامح والتعالي على التحرش والعنف. نواف قال أمام مدربه أسامة كاظم إن لعبة التايكوندو عنيفة بالفعل, لكنها في ذات الوقت علمته كيف يضبط أعصابه ويتحكم بعقله، ويتجاوز عمن يعتدي عليه. مدرب الطفل "التايكوندي" فسر لنا فلسفة طالبه بقوله إن لاعب التايكوندو لا يريد إثبات شيء للآخرين خارج ساحة اللعبة، وبينما يحاول الآخرون إظهار قوتهم في الشارع يكون لدى اللاعب قناعة قوية بأنه لايحتاج إلى إثبات أي شيء ولكن يكون واثقاً من أنه يستطيع أن يرد على أي اعتداء عليه، لذلك تجد من يتقنون هذه اللعبة يتجاوزون عمن يتحرش بهم أو يتحداهم. التقيت بنواف في استراحة راقية بشارع صاري، وكان يجلس بين والده ومدربه، ويتناول كأسا من الشوكولاته، فقلت له "لا تبدو كبطل كما ظهرت في الصور الفورتوجرافية وأنت تؤدي حركات التايكوندو". فرد ضاحكاً: "أنا لست بطلاً، ما زلت صغيراً على البطولة، ولكني سأكون بطلاً في المستقبل". يقول كاظم "بدأ نواف تمارينه وهو في الخامسة من عمره، ولم أشك في قدرته على مجارات الأطفال الذين يكبرونه سناً، لكنه أبدى استعدادا غير عادي لخوض التجربة, وخلال سنتين أكد أنه لاعب ينتظره مستقبل واعد، فلا أذكر أنه تغيب يوماً واحداً خلال سنتين عن التدريب". تجاوز نواف اختبارات الحصول على الحزام الأسود من الدرجة الأولى تحت إشراف الاتحاد الدولي للتايكوندو، واعتبر مدربه هذا إنجازا كبيرا لمن هم في مثل سنه. سألنا نواف من أين له هذه الرغبة في هذه اللعبة، فتبين لنا أن والده أستاذ الفيزياء بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور ماجد العرفي سبق أن انخرط في هذه التجربة أثناء دراسته في لندن. نواف بالإضافة إلى عشقه للتايكوندو، يحب الألعاب الإلكترونية، وحين نسأله عن أصدقائه في المدرسة وهل هم معجبون بما يقدمه، قال "إن الأمر عادي جداً، فأنا لا أستعرض خبراتي أمامهم، لكن في المناسبات والاحتفالات أقوم بتأدية بعض الحركات". ولكن ماذا عن العراك الذي يحدث دائما بين الأطفال؟ رد نواف "لا أعارك أحدا، وحتى حينما يعتدي أي أحد أقول له.. الله يسامحك.. بعضهم يظنون أن هذا ضعف، لكن ذلك لا يزعجني، فمن الأفضل أن يظنني ضعيفاً على أن أستخدم قبضتي في الصراع معه لأنني في النهاية متأكد من الفوز".