انتشرت اللهجات العامية من خلال مناظر الإغواء والغواية، ومن خلال إيهام الشباب التائه بالسطوع في نجومية معينة. والهدف الأساسي لهذا النوع من الأنشطة هو حرف الشباب عن قضاياهم العربية والإسلامية باستخدام اللهجات العامية للترفه والانعزال والابتعاد عن لغة القرآن الكريم. فمنذ دخول الاستعمار الغربي إلى الوطن العربي محتلاً في القرن التاسع عشر، ومحاولات فرض الحصار الثقافي على اللغة العربية، والقضاء عليها تدريجياً كجزء من تحطيم أسس الإسلام والعروبة القائمة على القرآن والسنة والشريعة لم تنقطع حتى الآن. ففي بلدان المغرب العربي حوربت اللغة العربية، وتم استبدالها باللغة الفرنسية رسمياً، وفي مصر ولبنان والعراق ظهرت دعوات للكتابة بالحرف اللاتيني، ثم ظهرت دعوات لاحقة في بعض الدول لاستخدام العامية واللهجات المحلية بدلاً من اللغة العربية الفصحى. ثم تستر المتآمرون على عدائهم للفصحى (لغة القرآن) بدعاوى أخرى مثل إصلاح اللغة أو تطوير التعليم أو إثارة الشبهات حول أصالة اللغة العربية أو صلاحيتها كلغة للحضارة واستخدام اللغات الأجنبية في تدريس العلوم وغير ذلك من الأساليب الاستعمارية والتغريبية والانعزالية في قتل هوية الأمة. أما اليوم فإن التآمر على الفصحى ينصب أساساً على الاهتمام الكبير باللهجات العامية المحلية، وتشجيع استخدام اللغات الأجنبية في التعليم والتجارة والخدمات الأخرى. في مقابلة مع الدكتور عبدالسلام المسدي يقول «ولا يخفى أن وضعاً دولياً أصبح يساعد على الزهد في اللغة العربية الفصحى، وأصبح يشجع على أن تنمو حقول التداول بالعاميات، لتحل العاميات محل العربية الفصحى. وهذا ليس من باب المؤامرة لأنه لم يعد شيئاً مسكوتاً عنه، وإنما أصبح شيئاً مرسوماً في سجلات الخطط الاستراتيجية الدولية سواء الأوروبية منها أو الأميركية». ثم يذكر مثالاً لما تمارسه الدوائر الغربية والأميركية من التآمر على الفصحى بتشجيع العاميات، أنه جاء منها فريق إلى الإسكندرية في مطلع 2003 وعرض تمويلات سخية في إنجاز مسلسلات جديدة للأطفال شريطة أن تكون المسلسلات بالعامية، وتم إصدار تشريعات تربوية جديدة في الدول الأوروبية مثل فرنسا تلغي اختيار اللغة العربية الفصحى كلغة أجنبية في الشهادة الثانوية، وتحل محلها مجموعة من العاميات.. واهتم المبشرون والمستشرقون بدراسة اللهجات العامية، وقاموا بتأليف الكتب للتعليم باللهجات العامية المحكية، وشجعوا على استخدام اللهجات المحلية في كافة المناحي. واليوم وفي ظل الهجمة الجديدة للغرب الاحتلالي تنتشر القنوات الفضائية المنوعة التي تتصدرها المذيعات الفاتنات باللهجات العامية، وتدار معظم البرامج فيها من حوارات وغناء ومسلسلات واحتفالات باللهجات العامية، وتقام المهرجانات وتكتب بها على مختلف الشاشات المرئية التي نستخدمها من تلفزيون وحاسوب وتلفون. قد تكون أسباب ذلك تخلفا وضعفا ثقافيا وانحطاطا حضاريا غير أن ترتيب الأمور الأساسية لقواعد انطلاق العاميات وعرضها على حساب الفصحى في وسائل الإعلام والثقافة وراءه خطط واضحة مقصودة ومبرمجة. إن كل ما ذكر سابقاً من أسباب انتشار اللهجة له بالغ الأثر في انتشار اللهجة العامية، بل هي أساس انتشار العامية، ولكن نحن لا نلغي على هذا الأساس دور الفرد وقابليته في تعلم العربية الفصحى، فهي الأساس قبل كل شيء وهي نابعة من ذاته، علاوة على ذلك أن اللغة كائن يعيش داخل الفرد، ولا ننسى في هذا المقام ذكر أثر حياة الترف ومفرزات الحضارة الجديدة التي تؤثر بشكل سلبي على لغة الفرد الفصيحة، والتاريخ شاهد على مجالس الغناء التي كانت تترخص باستعمال العربية الفصيحة، ويذكر أن الألمان لانت لغتهم وتغير لفظهم بسبب الترف الذي رافق بعض طبقات الشعب إلى حد ما.