قراءة الكتب والأسفار، سفرٌ لأقاصي البلاد. وصلٌ أطيب من زمن الوصل في الأندلس. في زمن مضى كانت القراءة إشراقة النور. وإطلالة العلم والتثقيف لون العقول وغيث العلوم، تفتح من سعة الأفق أبوابا، وتنضج من الناس ألبابا، العقول هي هي العقول، والكتب هي هي الكتب، والمصدر هو هو المصدر، والبشر هم هم البشر، غير أن القراءةَ وجاذبيتها لم تعد القراءة التواقة لكل جديد أو قديم، وأرباب الكتب والأدباء لم يعودوا من ذوي الفضل والنجباء في عين المجتمع. وإن كان لا أدل على أهمية القراءة من كونها كانت نقطة البداية في القرآن المعظم. إذ قال الله تعالى (اقرأ باسم ربك الذي خلق). ثم كانت تطبيقا عمليا لقول الله تعالى (..ربِّ زدني علما). فكانت بداية التمكين والحضارة التي وصلنا فيها إلى النهاية والغاية، من القوة وإعمار الأرض. إذًا كيف ولماذا؟ وما الذي أوصلنا إلى هذه الحال، حال الاستهتار واللامبالاة وعلى أوسع الحدود؟!. ما إن تحمل الكتب على الأكتاف، حتى ينظروا إليك مقتا، كأنما حملت الحتوف!. لابد أن نجد للسؤال جوابا. ونأتي بالمزيد من الحلول والأفكار لبلورتها كنماذج وأفعال حقيقية. نحققها كعلاج ودواء فعال، بدلا من الثرثرة بالمعضل من الداء. ومن ذلك الأندية الأدبية لدينا، يجب أن تكون لها أنشطة تتمثل في مسابقة دورية. ولجان تحكيمية لمن يقوم بتلخيص الصادر من الكتب الحديثة، وأن تكون فكرة واقعية ومتصالحة مع البيئة والتنمية الثقافية المستديمة. حيث يتم الاختيار عشوائيا من منشورات المتسابقين. فيما البقية تذهب لإعادة التدوير والتصنيع. ونموذج ثان يكون باحتفالات موسمية يتم فيها وضع الكتب على الأرصفة وفي الأزقة على نحو غير مكثف أومكلف لتشجيع الناس على القراءة. هذا تحديدا يحدث في بعض البلدان الأوروبية المتقدمة. بالإضافة إلى نموذج آخر يتمثل في دور الجامعات. لزاما عليها أن تفتح المجال للبحث العلمي دون قيد أو شرط أو افتراضات زمان ومكان لكل من تتوسم فيه مستوى عاليا من العلم والثقافة. ويملك سعة خيال في الحلول والابتكار. فلمثل هذا أوجدت الجامعات. لتكون في أدوارها فعّالة وفاعلة ومتفاعلة. فعالة ناجحة متيقظة في قضايا مجتمعها ومشاكله المعاصرة. متفاعلة بالنشاط والتمحيص والتحليل للمتناقضات، ومن خلال المعايير والمقارنات، وبتفعيل المشاركة والبحث في فترة دورية ولحظة معينة، فتوجه الفكر للمعالي والسمو كي يسهل ردم الهوة لحالنا في زمن مضى، تصدرنا ذروة سنام العلم، وفي حاضر بات باهتا واهن الفهم.