الرحلة من العاصمة الإسبانية مدريد إلى مسجد مدينة قرطبة عاصمة إقليم الأندلس وحاضرة الإسلام والمسلمين في شبه الجزيرة الأيبيرية (400 كيلو متر) تقطعها السيارة في نحو أربع ساعات، بينما يطويها القطار في ساعة وست وخمسين دقيقة فقط. كانت السيارة تقطع الطريق إلى قرطبة التي أطلق عليها الأوروبيون وصف "زينة الدنيا وجوهرة العالم" بين سهول ووديان وجبال، بين غابات الزيتون المتراصة كموج البحر ارتفاعاً وهبوطاً مع حركة التضاريس ولا يقطعها إلا حقول الكروم بينما الحديث داخل السيارة لا ينقطع بيني وبين رفيقى فى الرحلة الدكتور سامي المشطاوي- العالم المصري الذي يحمل الجنسية التشيلية ويتولى رئاسة قسم اللغة الإسبانية بجامعة فاتح بمدينة إسطنبول التركية- حول الوجود الإسلامى فى الأندلس وبناء الحضارة العربية الإسلامية في تلك الحقبة الزمنية التي كان الظلام فيها هو سيد الموقف في أوروبا، وكيف اتقدت جذوة الحضارة هنا على أيدي المسلمين حين اعتصموا بدينهم وهدي رسولهم صلى الله عليه وسلم، ثم كيف انغمس الحكام في الملذات وابتعدوا عن دينهم فتفتت إمارة الأندلس إلى دويلات هزيلة، تناحر فيها ملوك الطوائف حتى سقطت الأندلس قطعة قطعة، وما أشبه الليلة بالبارحة، فما يحدث في عالمنا لعربي والإسلامي لا يختلف كثيراً عن تلك المأساة بما يغري بنا الأعداء.