للمجتمعات البشرية سلوكيات وانطباعات تُسيّر بها تُسمى “القيم”، يكون لها صور ذهنية ومفهوم ينعكس على تصرفات المجتمع. أي أن لكل قيمة مجتمعية مفهوما عاما لا يُسقط ويُحصر في مثال واحد، وإن حصل ذلك تختل القيم نتيجة لاختلال مفاهيمها. مما يجعل الذهنية ترسم صورة واحدة أو مفهوما واحدا لقيمة مجتمعية شاملة، مع تهميش كافة المفاهيم المنضوية تحت هذه القيمة المجتمعية. كل المجتمعات البشرية عبر التاريخ تشابهت في قيمها، ولها مآل واحد، يتمثل في تحقيق الخير والصلاح والانضباط والسلام. وقد عُزِّزت هذه القيم إما بنصوصها الدينية أو بأعرافها القبلية وصولا لقيمها التربوية الأسرية. فصارت مكونا أساسيا لأي حضارة يُشَاد بها عبر التاريخ. القيم الإنسانية هي ما اتفق عليه المجتمع وحث على العمل به ليكون جزءا ضبطيا حافظا لحقوق الآخرين. وفي بعض المجتمعات تكون هذه القيمة دستورا. وقد تتميز مجتمعات عن أخرى في قيمةٍ إنسانية ما. وأبرز ما يميز القيم أن الرادع الأول فيها هو الضمير الذي يعتبر جار العقل. أما المفاهيم -التي تعد جزءا من القيم- فتنشأ كتفصيلٍ وشرحٍ للقيم، أي أن القيمة الواحدة تشمل عدة مفاهيم. ولا يجوز أن يُقصى مفهوم واحد من عدة مفاهيم تخصه، حتى لا تُشوه الصورة الذهنية للقيمة ذاتها، فيكون المفهوم ناقصا. وما يحصل في الذهنية المجتمعية الحالية هو اختيار مفهوم ما وتنصيبه كقيمة مجتمعية. مما يعني أننا أسقطنا كافة المفاهيم التي تحتويها القيمة. وهو الأمر الذي شكل اضطرابا لدى الضمير في قوة الردع. فحين تُهمش المفاهيم وتكتسب القيم صورة ذهنية واحدة، يصعب على الضمير ردع بقية المفاهيم المُهمشة، أو يصعب عليه التمييز. ببساطة، حين حُصِرت قيمة الشرف في بضع سنتيمترات من جسد الأنثى، لم نر بقية مفاهيم الشرف، على الرغم من أن الشرف هو قيمة عُظمى لكافة القيم. فمفهوم الشرف يعني الإخلاص في العمل ويعني الأمانة، ورد المعروف، والوفاء بالوعود والالتزام بالعهود. ما أريد أن أصل إليه هو: ألا نحصر المفاهيم، فنقع في مأزق القيمة، إذ حين تتشكل لنا صور ذهنية شاملة لكافة المفاهيم، يستطيع الضمير أن يردع ويحافظ على القيم!