أوضح رئيس لجنة السرد في نادي الأحساء الأدبي الناقد محمد الحرز، خلال قراءته رواية "ساق الغراب" للروائي السعودي يحيى امقاسم، أن تحويل الذاكرة التاريخية إلى عمل روائي هو تحويل لا يشترط فقط امتلاك أدوات المؤرخ المحترف، أو الخبرة في امتلاك الوعي التاريخي بالوثائق والسجلات، أو القدرة على تلمس مكونات التراث المحكي والأسطوري، بما يتلاءم والتوظيف الروائي، وإنما الأكثر أهمية أيضاً هو امتلاك الحس الحنيني، الذي يشد مفاصل العمل إلى هذه الذاكرة من العمق، ويرتفع بالرواية إلى مصاف المخيلة، وبالتأكيد فإن هذا الحس لن يتوقف عند حدود الرؤية السطحية للأشياء، سواء على مستوى الشخوص أو الأمكنة أو القيم والعلاقات الاجتماعية وتحولاتها الزمنية الضاربة في العمق. وأبان، الحرز خلال جلسة لجماعة السرد في نادي الأحساء الأدبي مساء الاثنين المنصرم، بحضور رئيس النادي الدكتور يوسف الجبر، وأدارها القاص عبدالجليل الحافظ، أن الذاكرة التاريخية في العمل الروائي لم تسقط في فخ التأريخ والتوثيق كما هي الحال في بعض الروايات، التي سجلت حالات توثيقية وتسجيلية، لكنها لم تنتظم في نسيج السرد الروائي وبنائه الفني، بل عملت على تفكيكه من الداخل، موضحاً أن بداية الرواية انفتحت على المكان، ليس بوصفه الحاضن لأحداثها والمحرك لشخوصها فقط، وإنما أيضاً بوصفه منبع القيم التي يتأسس عليها المجتمع، وتنهض بها العلاقات، وينظر من خلالها إلى الحياة والوجود والإنسان، لافتاً إلى أن قرية "عصيرة" التي هي إحدى قرى وادي الحسيني جنوب غربي المملكة هي المكان الواقعي، الذي تجري فيه الأحداث، وكذلك هي المكان المتخيل الذي يمنح الأرض قداستها، ويهبها القيمة العظمى التي هي رمز حياة أهل هذا الوادي، ورمز كرامتهم وعاداتهم وتقاليدهم. ووصف الناقد تركي الرويثي الرواية ب"المشروع النشاز وعزلة الراوي"، موضحاً أن رواية "ساق الغراب" ما زالت تحقق رواجاً على مستوى نخبوي باعتبارها واحدة من الروايات النادرة التي تؤرخ لحقب تكاد تندثر من تاريخ الجزيرة العربية، بينما ننتظر رواجها الشعبي غير المتوقع بحكم افتقادها لكثير من محفزات الجدل الاجتماعي، وستبقى كنجم سهيل تشير للجنوب دائما، مضيفاً بأن الروائي امقاسم عرف قدرة صوته، ودرسه جيداً، ووضعه بمكانه المناسب, فكان هذا اللحن الجميل, وأيضا النشاز وسط صراخ ملأ الأفق. وذكر القاص أحمد العليو، خلال قراءته للرواية، أن فن الرواية يوثق حياة الأفراد المغيبين والمهمشين والشخصيات ذات التأثير القوي في مجتمعاتها، وشخصية الأم صادقية في الرواية تدهشنا حينما نقرؤها ونتعرف على حياتها التي تقترب من الشخصية الأسطورية، معتبراً الرواية من رواية التحولات ورواية جيلين، جيل سؤدد جبار، وجيل متخاذل مهان. وأضاف أنه تتداخل فيها الحكايات كما أنها ترصد المكان بدقة، وقد أبدع وأجاد الروائي في تصوير مناخ المكان وأمطاره وطقوسه وعاداته والحالة الثقافية والاجتماعية والدينية، وتصوير طقوس الأعراس والدخول للمخدع والأحزان والحرب، والجنس بصورة غير خادشة، وتحكي عن المرأة التي كان لها دور بارز في قريتها، فهي تشارك الرجال، وتعمل في الزراعة وحصاد القمح، وتقوم بحماية الثغور والمحافظة على النظام السياسي رغم التحول الكبير الذي أصاب القرية. وشدد العليو على أن الرواية كسرت حاجز الصورة المتعارف عليها في بعض الروايات والقصص بأن المرأة جسد ووعاء يصب عليها الظلم والقهر والاستلاب، وهذا سر من أسرار إبداع الرواية، فالروائي هنا تحدث بجرأة وأدان الزمن الحاضر بروايته التي يصور فيها المرأة القيادية. واعتبرت الأديبة ابتسام المقرن في قراءتها أن هذه الرواية هي تاريخ مغيّب تسرده حكايات وأغانٍ شعبية، مبينة أن الروائي استهل روايته بمشهد يوحي بأن القبيلة أو العشيرة باقية ومتسيدة إلى حين، مشيرة إلى أن "ساق الغراب" هو الجبل الذي تفرض "عصيرة" سيطرتها عليه، وهو عنوان الرواية الذي يوحي بغرائبية لمن لا يعرف المنطقة وجغرافيتها، فكأنه اسم خرافي لأسطورة ما، وكأن الاسم فيه دلالة على ما تحمله الرواية من قصص وأمثال شعبية واعتمادها على الأساطير، مؤكدة أن الجميل في الرواية أنها حين اعتمدت على الأغاني والأمثال الشعبية لم تتركها بدون شرح أو توضيح للبعيدين عن هذه المنطقة التي عزلت جغرافياً وتاريخياً، وجاء التوضيح بلغة الرواية الفصيحة البليغة والمتمكنة. وكان مدير الجلسة، عبدالجليل الحافظ، استهلها باستعراض السيرة الذاتية للروائي يحيى امقاسم، ثم تحدث عن الرواية، وموقع "ساق الغراب" وهو جزء من جبل السروات يمتد من جنوببيشة مروراً بعسير إلى تهامة جازان والمخلاف السليماني إلى بداية تهامة اليمن.