نشرت "الوطن" في العدد (5928) مقالة بعنوان (سجينات الدار أرواح مهجورة) للكاتب فهد مرسال، ذكر فيه وحشة السجين وأنين الندم وحصاد الليالي الطويلة الحالكة التي تفتك بسنابل العمر والسنوات تحت مناجل خطيئة لا ترحم، تنديدا بحال بعض نزيلات السجون ممن ظللن حبيسات دور الرعاية الاجتماعية، لرفض ذويهن الحضور لاستلامهن بعد انقضاء فترات محكومياتهن. هنا أحيي الأخ فهد مرسال الذي تطرق إلى هذه المعضلة الأسرية والاجتماعية التي تعانيها بناتنا من السجينات اللاتي يبقين (في دور الضيافة التي أنشأتها وزارة التنمية الاجتماعية للاتي يرفض أولياء أمورهن (من أب أو زوج أو أخ) استلامهن بعد انقضاء فترة محكومياتهن من الحكم الشرعي، سواء كان سجنا أو جلدا أو إيقافا، بعد أن كن في مؤسسات رعاية الفتيات المخصصة لقضاء محكومياتهن بعد الحكم عليهن، وهذا ديدن بعض أولياء الأمور تجاه بناتهم، لأن ثقافة بعض أفراد المجتمع -مع الأسف- ما زالت تجاه من يرتكبن (جنحة أو جناية) كأنهن هدمن أو هددن كيان الأسرة بكاملها. وأنا هنا لا أقلل من فعلهن المضاد للأسرة والمجتمع، وخدش بعض الأعراف والعادات والتقاليد، ولكن نقول: "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون"، وهذا يشمل الذكر والأنثى، ولكن الأنثى ربما تكون (جنحتها وجنايتها) أشد وأكبر بخلاف الرجل والشاب الذي ربما تغفر زلته ويتم التسامح والتصالح معه، لكنني بحكم خبرتي التي امتدت أكثر من ثلاثين سنة، بحكم تخصصي في العلوم الاجتماعية، من الخدمة الاجتماعية والعلوم المساندة لها (من علم نفس وعلم اجتماع وعلم الجريمة)، والعمل في إصلاحية السجون (في لجنة أصحاب السوابق والعائدين للإجرام) أخصائيا اجتماعيا في دار الملاحظة الاجتماعية بالرياض، ثم مديرا لها، كذلك مديرا لدار التوجيه الاجتماعي بالرياض، ونتيجة تخصصي وخبرتي، فإني أؤكد أن العلاقة المهنية بين المختص الاجتماعي ومرتكب الجنحة الجنائية، سواء كان ذكرا أم أنثى، علاقة مهمة توطد العلاقة بين المختص وصاحب المشكلة، حتى يبيح هذا الصاحب للمختص كل أسراره، وما يحيط به من جوانب المشكلة، سواء كانت أسرية أو اجتماعية أو جيرة أو رفاق السوء، ويجب أن تمتد هذه العلاقة المهنية إلى أفراد الأسرة، خصوصا وليّ الأمر حتى يفتح طريقا وبابا للتعاون بين المؤسسة الإصلاحية وولي الأمر، ويجب أن تبدأ هذه العلاقة منذ دخول صاحب المشكلة إلى المؤسسة الإصلاحية، سواء كان ذكرا أم أنثى بالزيارات في المؤسسة أو الانتقال إلى منزل الأسرة، ولكن هذا يحتاج إلى جهد وعناء وتحمل وصبر من المختص الاجتماعي، حتى يتقبل أفراد الأسرة، خاصة ولي الأمر استقبال صاحب المشكلة عندما يتقرر الإفراج عنه واستلامه، على أن يتبع ذلك العلاج الأخير والآخر وهو عملية الرعاية اللاحقة، حتى لا تنتكس حالة المستفيد ويعود إلى حالته السابقة قبل دخوله الإصلاحية، بحيث تكون هذه الرعاية بين فترة وأخرى.