ثامر الجبير بعد ربع قرن، يبدو أن حلم ميشال عون أصبح واقعا، ففي الأيام التالية سيكون من المرجح انتخابه رئيس جمهورية لبنان، وتنتهي بذلك أزمة شغور كرسي الرئاسة اللبناني، والتي استمرت عامين ونصف العام، ولكن لا يعني ذلك أن أزمة لبنان ومصيره قد انتهيا. اليوم، كرسي الرئاسة في لبنان ليس ترفا، بل هو فرصة ذهبية لميشال عون بأن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه، بطلا وطنيا لبنانيا، وقد يكون رمزا أكثر تقديرا في قلوب اللبنانيين من فؤاد شهاب، وينحني له العرب احتراما وتقديرا، شريطة أن يتمكن من استعادة الدولة اللبنانية وهيبتها وسلطاتها على كامل الأراضي اللبنانية، وأن يستعيد دوره المأمول منه. إن تحديات الرئيس الجديد ليست إرهاب القاعدة و"داعش"، وأزمة سورية، والاقتصاد المشلول، والحكومة المعطلة، وتقسيم وظائف الدرجة الأولي على أساس طائفي لا على أساس الجدارة والكفاءة، في مخالفة صريحة للدستور، كل ذلك مضاعفات للمرض الحقيقي الذي تعانيه الدولة اللبنانية. إن السؤال الحقيقي الذي يخطر في ذهن من يريد حل الأزمة اللبنانية هو، ما الذي تغير بين لبنان الجمهورية الأولى التي قامت بالميثاق الوطني الشفوي الشهير بين بشارة الخوري ورياض الصلح، ولبنان الجمهورية الثانية التي قامت باتفاق الطائف؟ إن كان الوجود الفلسطيني العسكري والسياسي في لبنان في الماضي، وما نتج عنه من مضاعفات وإضعاف لسلطة الدولة، وخوف مسيحي من أن يكون لبنان الوطن البديل، وحدوث الحرب الأهلية، يعد درسا كان يجب أن يبقى حاضرا في ذهنية كل لبناني، مع منع تكراره مهما كانت الشعارات والمبررات، للحفاظ على السلم الأهلي وسيادة لبنان واستقلاله وسيادته. فإن اليوم حلّت ميليشيا حزب الله محل المنظمات الفلسطينية تحت شعار مقاومة الاحتلال، مستغلة لبنانيته لتحقيق المشروع الإيراني في لبنان، وجعله رهينة لأهواء ورغبات قادة طهران، فيكون لبنان خارج محيطه العربي، ولا يمارس دوره المأمول منه، فيبقى لبنان مجرد اسم لا وجود له في قواميس الاستقلال والسيادة. لقد أصبحت هذه الميليشيا أخطر من الوجود الفلسطيني في السابق، وخطرا لا يثير فقط مخاوف الطائفة المسيحية بل كل الطوائف بلا استثناء، وما أحداث 7 أيار من عام 2008 عندما وجهت هذه الميليشيا السلاح إلي خصومها السياسيين لتحمي مصالح إيران وسورية لا الدولة اللبنانية ونظامها الديمقراطي، إلا خير دليل على ذلك. كما أن ميليشيا حزب الله لم تعد قضيتها سلاحا خارج الدولة، بل إرهابا عابرا للحدود، ونصّب نفسه البديل عن الدولة ومؤسساتها في تحديد احتياجات لبنان في أمنه الوطني، فيتخذ قرار حرب 2006، ويجعل الدولة بكامل مؤسساتها تنساق خلفه في قراره، مجبرة وليست مخيرة، ويزج بنفسه في أزمة سورية دون حتى إشعار مسبق على الأقل لقصرا بعبدا، وينقل العدوى إلى حلفائه السياسيين الصغار، أمثال المدعو وئام وهاب، ليؤسس ميليشيا سرايا التوحيد، تحت ذريعة دعم القوى الأمنية، دون أي مبالاة لهيبة وسلطة مؤسسات الدولة، خاصة وزارتي الداخلية والدفاع. لبنان وأزمته -كتوأمين سياميين- يحتاجان إلى عملية جراحية دقيقة للفصل بينهما. عون أمامه فرصة لن تتكرر في باقي عمره الذي تجاوز الثمانين عاما، إما أن يعلن قيام الجمهورية الثالثة، استجابة لأحلام اللبنانيين فقط، ليكون لبنان قادرا أن يلعب دورا يسهم في تغيير معادلة الأزمات في منطقة الشرق الأوسط لمصلحة المنطقة وشعوبها في إطار الانتماء العربي، وتحقيق مفهوم دولة المؤسسات، وهو بذلك يملك اليوم الخيار، ولكن في الغد لن يكون بيده شيء.