دأبنا على سماع بيت شعر للشافعي يقول فيه: "إذا هبت رياحك فاغتنمها، فعقبى كل خافقة سكون"، وكذلك مقولة "اغتنم الفرصة إن واتتك" كثيرا لدرجة أننا إما شككنا في قدراتنا لفهم ما هي الفرصة، أو كيفية استغلالها الاستغلال الأمثل حتى ولو عرفنا أنها فرصة في وقتها. هناك حوار ذاتي متكرر لفهم ما هي الفرصة، وهل علينا أن نتجاوز قيمنا بأن ننتفع من الظروف بغير وجه حق لجني ثمرات الفرصة، والفوز بها قبل الآخرين، ومن ثم نكون أبطالا في نظر أنفسنا أولا وفي نظر الآخرين ثانيا! هذا التردد والانتظار يؤثر سلبا على اتخاذ القرار للاستفادة الإيجابية من هذا الظرف الملائم للقيام بشيء ذا قيمة يتيح لنا النمو الشخصي أو العملي، ومن ثم تضيع الفرصة تلو الأخرى. لجميع هؤلاء الذين ما زالوا في انتظار الفرص، أو حتى دأبوا على تفويت الفرص لسبب أو للآخر، أقول إن الموضوع فيه جانب آخر وهو "اصنع فرصتك بنفسك"، وهذا يندرج تحت مظلة قيمك الخاصة وخبراتك الذاتية، وليس للظروف أو الآخرين دور كبير فيها. الأولى والأجدى أن تبادر أنت بصنع الفرصة إن لم تقدم لك أو حتى لم تجد المساندة الكافية ممن حولك لإرشادك وتوجيهك. بعد ذلك تراقب الظروف الناتجة عن مبادرتك وتحاول أن توظفها وتوجهها بحيث تأخذ الأمور منحى إيجابيا يصب لمصلحتك بدون التصادم أو إلحاق الضرر بالآخرين. مفهوم "اصنع فرصة" لم يعط حقه في حقل التنمية البشرية كما أعطي مفهوم "اغتنام الفرصة" من إسهاب، وكيف صار الكثيرون مشهورين بسبب تملكهم الحنكة لاستغلال الفرص. من المؤكد أن الفرص نستطيع صناعتها إن أحسنّا تقدير ذواتنا أولا وأخيرا وابتعدنا عن السعي حثيثا لإرضاء الآخرين لمنحنا الفرصة. فصنع الفرص موجود منذ الأزل، قديما لنا عبرة في قصة الصحابي عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه عندما رفض أن يأخذ نصف مال الصحابي سعد بن الربيع الخزرجي وقال له " فقط دلني على السوق". في زمننا الحاضر، يقفز الى ذهني البروفسور سالم الحساني والذي اشتهر بأنه صاحب مبادرة معرض وكتاب ألف اختراع واختراع وغيرهما، صنع فرصة من أحداث التاريخ الإسلامي المشرق خلال فترة الظلام في أوروبا لجعلها جذور وصل لحوار ثقافي وعلمي بين الماضي والحاضر. ختاما، لنا في قصة سيدنا يوسف عليه السلام الكثير من الأمثلة نذكر هنا ثلاثة منها، فسيدنا يوسف عليه السلام صنع فرصة بأن: - التمس المكوث في السجن اتقاء لنفسه الفتنة وانتظارا للفرصة المناسبة للخروج. - طلب من أحد صاحبي السجن، والذي عرف أنه سيخرج بعد تفسيره للحلم، أن يوصل رسالة للملك ببراءته. - مناشدة الملك تولي الأمور الاقتصادية وتمكينه على خزائن الأرض، وذلك عندما طلبه الملك شخصيا، بعد أن عرف صدقه، وثبتت براءته من التهم الموجهة إليه.