ليس بعرفان، ولا هي رغبة في الكتابة لأجل الكتابة، بقدر ما هو شعور خفي يدفعني لأدون لحظة فخر برجل عظيم خاض في ميدان العمل الوظيفي وميدان الحياة ما يجعله مثالا يحتذى به عندما نتحدث عن الكفاح. رجل قدم التضحيات الواحدة تلو الأخرى من أجل بناء مستقبله وهو ابن السابعة عشر.. لم يكن يلقي اهتماماً في مقتبل العمر سوى لتحقيق ذاته، وتحسين تحصيله الدراسي الذي كان يتدنى شيئاً فشيئاً كلما كبر وزادت المسؤوليات الملقاة على كاهله. لم أجد ما يناسب من كلمات، ولكن سأحاول أن أتحدث عن رجل خبر في ميدان الحياة الكثير، وحاول إيصال خبرته لأبنائه، الرجل الذي يعيش اليوم حياة ناجحة، حياة لم يكن طريقها مفروشا بالورد على الإطلاق.. ثمان وثلاثون سنة من الكفاح، بدأت براتب ضئيل على بند الأجور، وتكليف بخارج دوام متنقلاً بباص عمومي وبدون كلل أو تذمر. وفي الوقت ذاته كان يحاول جاهداً ألا يفرط في الجانب العلمي من حياته. وبما أن الوضع آنذاك لم يسمح له بإكمال دراسته، راح يبحث عن طرق أخرى. أصبح يذهب كلما تسنح له الفرصة إلى معلم يدرسه ما يلزمه من اللغة، وتحمل تكاليف أجره كاملة حيث لا يبقى من مرتبه سوى القليل ليغطي بها التزامات المواصلات ومصروف بالكاد يكفيه لآخر الشهر. لأنه كان يدرك ألا مناص له ولأسرته سوى تحمل الوضع لبضع سنين. وبكل فخر واعتزاز شق طريقه، وكان قمة في المثابرة والعصامية والاعتماد على النفس، تقلد مسؤوليات كبيرة ما بين عمل شاق وأسرة بالإضافة إلى كونه الابن الوحيد لوالدته التي تبلغ حالياً من العمر ما يقارب المئة عام. فهو نعم الابن في الاهتمام بها والحرص على توفير كل ما يلبي احتياجاتها ورغباتها. وفي الوقت ذاته لم يتخل عن مسؤوليته كرب أسرة، فهو نعم المربي ونعم الأب. ربى أبناءه على ما نشأ عليه، ولطالما كان يردد ناصحاً لهم، أنه في معترك الحياة الكبير؛ إن استغنيت عن طموحاتك استغنت عنك الحياة، وإن استسلمت تخلت عنك الحياة. وما زال يحتفظ بأوراق وصور وأشياء كان يستخدمها للافتخار بمثابرته ولتذكير نفسه وأبنائه أنه كان شخصاً بسيطاً وأنه لم ينل من التعليم الشيء الكثير، ولكن صهرته الخبرة ليصبح أباً، وقدوة أفخر بها كوني ابنته ما حييت. فقد أيقنت من خلال دروسه أن مدرسة الحياة أحياناً تغلب أعظم الشهادات. تقاعد بعد مسيرة عطاء طويلة، زرع فيها بصمة تحكي قصة كفاح وإنجازات ستظل تذكر لتشكر. فشكراً لك والدي، أبليت بلاء رائعاً في كل مسؤولية حملت على عاتقك طيلة الفترة السابقة. حقاً أنا ممتنة لصنيعك.