بعدما ما وصلت الاحتكاكات السياسية الحادة بين موسكووواشنطن إلى درجة حرجة تهدد بالعودة إلى المربعات الأولى، سواء في الأزمة السورية أو في سباق التسلح، أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتعليق الاتفاق مع الولاياتالمتحدة حول معالجة البلوتونيوم بسبب خطوات واشنطن غير الودية تجاه موسكو، فيما ردت الولاياتالمتحدة بتعليق المحادثات مع روسيا حول ما يتعلق بوقف إطلاق النار في سورية، وقالت وزارة الخارجية في وقت لاحق إن الولاياتالمتحدة تبحث خيارات متعددة الأطراف وأحادية للتعامل مع الحرب في سورية، بما في ذلك الخيارات الدبلوماسية والعسكرية والمخابراتية والاقتصادية، وهو ما وصف بالتصعيد الخطير من الجانبين. وكان قرار موسكو بتعليق الاتفاق مع الولاياتالمتحدة حول معالجة البلوتونيوم، قد أثار واشنطن، بينما سربت مصادر دبلوماسية معلومات بأن روسيا تريد فرض شروطها حول إمكان التراجع عن هذا القرار، واستئناف العمل باتفاقية البلوتونيوم الذي لا يُستخدم لأهداف صنع أسلحة أو معدات تفجير نووية أخرى، مع الولاياتالمتحدة في حال ألغت واشنطن العقوبات المرتبطة ب"قانون ماجنيتسكي". ويتضمن ذلك العقوبات الأميركية ضد روسيا وفق قانون دعم حرية أوكرانيا في 2014، وكل العقوبات المفروضة ضد الشخصيات والمؤسسات الروسية، ويجب أيضا تقليص المنشآت العسكرية في دول الناتو. خيبة أمل ذكر المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض جوش إرنست في وقت سابق، أن الولاياتالمتحدة تشعر بخيبة أمل بسبب القرار الروسي بالانسحاب من اتفاق ثنائي بشأن التخلص من البلوتونيوم. وقال إرنست إن "هذا البيان هو بمثابة قرار الانسحاب، وقد خيّب أملنا، ويصب في إطار القرارات الأخرى التي تؤدي إلى العزلة الدولية لروسيا، ومثل هذه القرارات تتضمن السياسات الروسية في أوكرانيا وفي سورية". ولكن سرعان ما تواصلت خيبة الأمل أيضا، ولكن من الجانب الروسي هذه المرة، إذ أعلن مسؤول في وزارة الخارجية الروسية أن قرار واشنطن تعليق التعاون الثنائي مع موسكو بشأن الملف السوري مخيب للآمال. ورغم تصريحات لاحقة لوزير الخارجية الأميركي بإمكان التعاون مع روسيا حول سورية رغم صدور القرار، قال المسؤول الدبلوماسي الروسي إنه "يجري الآن تحليل مفصل للقرار الأميركي" وتداعياته. حرب نصف مباشرة بدأت المخاوف تظهر من إمكان مواجهات عسكرية نصف مباشرة بين قوات التحالف بقيادة واشنطن، وبين القوات الروسية الموجودة في سورية. وفي هذا الصدد أعرب مدير مركز كارنيجي في موسكو دميتري ترينين، عن اعتقاده بأن العلاقات بين روسياوالولاياتالمتحدة ربما تتفاقم أكثر خلال الأسابيع والأشهر المقبلة. وقال إنه "يمكننا أن ننسى التعاون، فالاتهامات والتهديدات الأخيرة شطبت مسألة التعاون. ومع ذلك، يمكن أن توصلنا هذه التهديدات إلى مستوى الصفر وحتى دونه". غير أنه ذهب إلى منطقة أبعد بكثير، حيث أشار إلى أن "انهيار التعاون بين موسكووواشنطن في سورية، ربما يؤدي إلى تبادل الضربات بين الجانبين على مواقع القوى التي يعدُّها كل طرف حليفة للطرف الآخر". وهو ما وصفه مراقبون بالحرب نصف المباشرة بين روسياوالولاياتالمتحدة في سورية، والتي يمكن أن تبدأ في أي لحظة، هذا إذا لم تكن قد بدأت عمليا بانهيار التفاهمات الروسية – الأميركية، وشروع القوات الروسية وعناصر نظام دمشق بقصف المعارضة في حلب. تزايد التهديدات حسب مراقبين روس، فإن التهديدات من الجانبين الروسي والأميركي اندلعت حتى قبل فشل الهدنة التي ولدت ميتة، ووصلت هذه التهديدات إلى ذروتها عندما اعتبرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن أي عدوان أميركي مباشر على سورية، سيؤدي إلى نتائج كارثية على منطقة الشرق الأوسط. وأعلنت مجددا أن موسكو تساعد نظام الأسد وتدعمه، وذهبت إلى التحذير بأن التخلي عن المساعي الدبلوماسية في سورية سينتهي بحرب شاملة، واتهمت الولاياتالمتحدة ليس فقط بدعم التنظيمات الإرهابية، بل وأيضا بالعمل معها. تصريحات زاخاروفا لم تأت من فراغ، حسب مراقبين روس، وإنما من إحساس روسيا بأن حلفاءها بدؤوا يتخلون عنها نتيجة حسابات غير مفهومة من جهة، وتصرفات وإجراءات لا تتوخى الاستقلالية، وإنما تعتمد على ردود الأفعال. هذا إضافة إلى عدم رضا طهران ونظام دمشق عن الخطوات الروسية الأخيرة بشأن "التفاهمات" مع الولاياتالمتحدة. ووفقا لخبراء روس، فإن تصريحات زاخاروفا "أطربت طهرانودمشق"، لدرجة أن النظامين الإيراني والسوري أطلقا تصريحات مشابهة لتصريحات زاخاروفا. توقعات لافروف فيما اعتبر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أنه لا داعي لإصدار تعليقات رسمية على التسريبات التي نقلتها "نيويورك تايمز" عن لقاء نظيره الأميركي جون كيري مع ممثلين عن المعارضة السورية، حذَّر من أن الاتفاقات التي توصل إليها الجانبان الروسي والأميركي في 9 سبتمبر الماضي في جنيف، باتت معلقة بسبب موقف واشنطن المبهم من المعارضة السورية التي ترفض هذا الاتفاق. وعدّ المراقبون أن هذا التصريح من جانب روسيا يعكس واقعا جديدا، ويؤكد على أهداف ونوايا موسكو بشأن ما يجري في حلب وحولها في الأيام الأخيرة. وعلى الرغم من أن لافروف، وقبل إعلان واشنطن تعليق الاتفاقات، أعلن عن تعليق الاتفاقات الروسية الأميركية، أو في أحسن الأحوال أعلن أنها معلقة، أشار مراقبون إلى أن روسيا بعد الخطوة الأميركية، لن تقتصر على الإعلان عن تعليق الاتفاقات، وإنما بخطوات أخرى ربما تظهر خلال الأيام القليلة المقبلة في حلب، وربما بعض المناطق السورية الأخرى.