استبقت موسكو اجتماع ميونيخ المقرر اليوم الخميس، بتأكيد رفضها وقف العملية العسكرية الروسية في سورية، لتمهيد الطريق نحو استئناف المفاوضات، على رغم إعلانها التوصل إلى اتفاق مع واشنطن على ملفي وقف إطلاق النار والمساعدات الإنسانية. وحذّر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مما وصفه «عودة الرهان لدى بعضهم على الحل العسكري إذا فشلت الجهود السياسية». وتسارعت وتيرة الجهود الديبلوماسية عشية انعقاد الاجتماع الرابع لمجموعة التسوية في سورية، وقبل لقاء لافروف مع نظيره الأميركي جون كيري اليوم في ميونيخ والذي وصفته أوساط ديبلوماسية روسية بأنه سيكون حاسماً لجهة محاولة تقريب المواقف على صعيد إعادة إطلاق مسار المفاوضات. وأعلنت الخارجية الروسية أن الوزيرين أجريا محادثات هاتفية، أمس، توصلا خلالها إلى اتفاق على ضرورة وقف إطلاق النار في سورية وتوصيل المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة بهدف وضع أرضية صالحة لاستئناف المفاوضات. لكن ذلك تزامن مع تأكيد الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن أي حديث عن وقف للنار لا ينسحب على العملية العسكرية الروسية في سورية. وردت زاخاروفا أمس على سؤال ل «الحياة» في هذا الشأن بالإشارة إلى أن «ضربات القوات الجوية الروسية تهيّء أجواء جيدة لمكافحة الإرهاب وبالتالي للمفاوضات السورية - السورية». وأضافت أن «الجهات التي تدعم الإرهاب هي التي لن تشعر بالارتياح في ظروف مواصلة العمليات العسكرية ضده»، وأن «الضربات الجوية الروسية تخلق ظروفاً جيدة لأولئك الذين يسعون بالفعل إلى إنقاذ سورية من الإرهاب لبناء دولة ديموقراطية هناك وإجراء انتخابات حرة». وتجنّبت زاخاروفا التعليق على تقرير صدر أخيراً عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يتهم النظام السوري بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، لكنها قالت إن موسكو «لا تدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد وكانت دائماً تنتقد مختلف خطوات دمشق، بما في ذلك في مجال حقوق الإنسان»، مذكّرة بأن لافروف «أكد أكثر من مرة أن الإصلاحات الديموقراطية في سورية تأخرت كثيراً». في الأثناء، اتهم لافروف أطرافاً بأنها «لا تخفي نيتها المراهنة على الحلول العسكرية في سورية، في حال فشل المفاوضات السلمية». وزاد أن «المراهنة على الحل العسكري تنطلق، وفق فهمي، من الكراهية الشخصية تجاه الرئيس السوري بشار الأسد». وأكد الوزير أنه يشاطر آراء خبراء وضعوا 3 سيناريوات لتطورات الأوضاع في سورية، وهي: توصّل الأطراف إلى حل وسط خلال المفاوضات في جنيف، أو إحراز الجيش السوري انتصاراً عسكرياً، أو اندلاع حرب كبيرة بمشاركة عدد من الدول الأجنبية. وقال إن موسكووواشنطن كانتا تصران دائماً على إدراج عبارة «لا حل عسكرياً» للأزمة السورية في القرارات الدولية لكن «بعض حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط رفضوا هذه الفكرة قطعاً»، محذّراً من أن «هذا السيناريو (الرهان على الحل العسكري) غدا واقعياً، ونسمع الآن تصريحات عن خطط لإرسال قوات برية إلى سورية». كما أعرب لافروف في مقابلة صحافية نشرت أمس عن قلق موسكو بسبب «أنباء حول نية انقرة استغلال جزء من الأراضي السورية بذريعة إقامة مخيمات هناك لإسكان النازحين السوريين وعدم السماح لهم بالعبور إلى الأراضي التركية»، منتقداً خطط اقامة «منطقة آمنة» باعتبار ان تركيا «تريد اقامتها في المنطقة الفاصلة بين الجيبين الكرديين اللذين تعتبر تركيا توحيد قواتهما أمراً غير مقبول، علماً أن من شأن هذا الأمر أن يمنعها من إيصال الإمدادات إلى المسلحين في سورية وتلقي توريدات البضائع المهربة». وأشار لافروف إلى «أنباء عن اتصالات سرية بين قادة «داعش» والقيادة التركية، لبحث خيارات العمل المتاحة في الظروف الجديدة التي تشكلت بفضل الغارات الروسية الذي قطعت المسارات العادية لتهريب البضائع». وأكد أن «أي حديث عن منطقة آمنة سيشكل انتهاكاً للقانون الدولي ويزيد الأمر تعقيداً»، مضيفاً: «لا أتوقع أن يسمح التحالف الدولي الذي يتزعمه الأميركيون بمثل هذه الخطط المتهورة». وفي الإطار ذاته، اعتبرت زاخاروفا أن أي حديث عن تدخل بري في سورية «لا يمكن القبول به» و «يجب احترام السيادة السورية والتنسيق مع دمشق في شأن إرسال قوات برية». وشددت على أن «الوضع الداخلي في سورية يخص السوريين، ولا يمكن الحديث عن تحسين الوضع الإنساني من دون مكافحة الإرهاب». وأعربت الناطقة عن اقتناع بأن «مؤتمر ميونيخ سيقوم بتحليل المواقف في شكل عميق ومن الممكن أن يعيد الغرب النظر في موقفه من تطور الوضع»، مشيرة إلى وجود «انعطاف كبير واضح» في الموقف الغربي، بما في ذلك في شأن الأحداث في سورية. وجددت تأكيد موقف موسكو المعارض لتجاهل الأكراد في تسوية الأزمة السورية، معتبرة ذلك «طريقاً مسدوداً». وقالت إن لقاء ميونيخ «سيبحث بالتأكيد» هذا الموضوع. ورفضت اتهامات الولاياتالمتحدةلموسكو بتأجيج الأزمة الإنسانية، عبر مواصلة عملياتها العسكرية، معتبرة أن «تصرفات الغرب هي التي فاقمت المشكلة». وردت على اتهامات أميركية لروسيا باستخدام قنابل غير موجهة في سورية بالإشارة إلى أن الغرب «لم يقدّم دليلاً على اتهاماته ولا أساس لها»، كما اعتبرت الحديث عن تضاعف أعداد اللاجئين بسبب الضربات الروسية، وتحميل موسكو مسؤولية انهيار المفاوضات، «مجرد أكاذيب».