طوال تاريخ الثورات الكردية، عانى النضال الكوردي في أجزاء كوردستان الأربعة من أمرين: الأول، هو الاعتماد على تناقضات مصالح دول المنطقة ومواقفهم تجاه بعضهم البعض، فكانت دول المنطقة تمد يد العون إلى الأحزاب الكوردية التي تقاتل حكوماتها طالما كانت هناك مشكلات بينها وبين حكومة تلك الدولة، وبمجرد انتفاء المشكلة ينتهي هذا التحالف. ورغم مرارة نتائج هذا النوع من الأداء السياسي، فإن الشعب الكوردي كان يتقبلها على مضض ويتفهم مبرراتها، وذلك لعدم وجود البعد الدولي "آنذاك" في الملف الكوردي، مما جعل من الخيار الإقليمي في الأداء هو الخيار الوحيد أمامهم للاستمرار في ثوراتهم، إضافة إلى أنه طالما لم تكن هذه التحالفات على حساب الأجزاء الأخرى من كوردستان ولم تؤثر عليها سلبا، فلم يكن الشعب الكوردي يرى فيها ضيرا. أما الثاني، الذي عانى منه النضال الكوردي، فكانت المنافسة الحزبية الضيقة بين أحزاب الجزء الواحد، والتي كانت حكومات المنطقة تستغلها لضرب تلك الأحزاب بعضها بالبعض الآخر لأكثر من مرة. أما اليوم، وبعد بروز القضية الكوردية بقوة على الساحتين الإقليمية والدولية، فلا يمكن أن تبقى علاقات الأطراف الكوردية في أجزاء كوردستان الأربعة ضمن نطاق العلاقات القصيرة الأمد، المعتمدة على الفعل ورد فعل دول المنطقة، كذلك لا يمكن للمنافسة الحزبية أن تكون هي محور الحراك السياسي الكوردي، خاصة في ظل المتغيرات التي تطرأ على المنطقة. خاصة ما يتعلق بالملف السوري وتطورات الوضع الكوردي فيه. فإذا كانت التطورات السريعة والمتلاحقة للوضع السوري، وتشابك الأجندات الإقليمية والدولية فيه، لم تفسح المجال الكافي أمام الأطراف الكوردية السورية لبناء إستراتيجية واضحة لأدائها، فهذا لا يعني أنه ليس أمامهم خيارات أوسع لتجنب الأخطاء التي وقعوا فيها طوال السنوات الأربع الماضية. وفيما يلي بعض الأخطاء التي وقع فيها الطرف الكوردي السوري. أولا: لا يمكن لحزب كوردي سوري مثل حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يرفض طرح الدولة القومية، ويتبنى نظرية الشعوب الديمقراطية "التي تنطلق من إمكانية تعايش شعوب المنطقة ذات الانتماءات القومية المختلفة في دولة ديمقراطية واحدة"، لا يمكن له أن يمنع أحزابا كوردية أخرى أو حتى عربية من التعبير عن نفسها وأفكارها إلا تحت يافطته، وإلا فكيف سيتقبل مجتمعات مختلفة الانتماءات في دولة واحدة كسورية؟ ثانيا: الأداء السياسي المضطرب للاتحاد الديمقراطي السوري برئاسة صالح مسلم كان السبب في أن تتعدى خلافات الأحزاب الكوردستانية الجزء الواحد لتصل إلى الأجزاء الأخرى من كوردستان، وهذه مشكلة غير مسبوقة في تاريخ النضال الكوردستاني. ثالثا: كوردستان سورية لا تقل أهمية عن كوردستان تركيا عند عموم الكورد، ولذلك فليس مقبولا تسخير هذا الجزء لحل المشكلات في جزء آخر من كوردستان، وجعله ضحية لكوردستان تركيا، فبسبب سياسات الاتحاد الديمقراطي الخاطئة تأثرت كوردستان سورية سلبا بالوضع السياسي لكوردستان تركيا، وبعلاقات حزب العمال الكوردستاني مع الحكومة التركية. رابعا: لا يمكن أن يكون حزب كوردستاني في جزء هو صدى لحزب كوردستاني آخر في جزء آخر، وتكون ردود أفعاله متناغمة مع أفعال ذلك الحزب. فتبني حزب العمال الكوردستاني نظرية الشعوب الديمقراطية في تركيا لا يعني مطلقا إمكانية تطبيقها في كوردستان سورية، فلكل دولة خصوصيتها، ومكوناتها، وتوجهاتها المجتمعية والسياسية التي تختلف عن الأخرى، ولا يعني نجاح تجربة الشعوب الديمقراطية في تركيا "على افتراض نجاحها المستقبلي" بأنها ستنجح في سورية، فالمجتمع العربي المتشبع فكريا بنظرية المؤامرة والتحسس من الآخر، لا يمكن له تقبل هذه الفكرة لا على المدى القريب ولا البعيد، والدليل ماثل أمامنا، فبمجرد دخول قوات درع الفرات بدعم تركي إلى داخل سورية انفصلت كثير من الفصائل العربية المنضوية تحت مسمى قوات سورية الديمقراطية منها، وانضمت إلى درع الفرات. خامسا: إصرار حزب الاتحاد الديمقراطي ورفضه دخول بيشمركة روزئافا التي تمثل قوات مسلحة تابعة لأحزاب كوردستانية أخرى في سورية ليس بالنهج السياسي الصحيح، وما يحدث الآن يثبت ذلك. لذلك نقول، على الأطراف الكوردية في سورية مراجعة شاملة لمواقفها وتبني مواقف جديدة يكون الأساس فيها المحافظة على وحدتهم القومية هناك، دون تبني نظريات خيالية لا يمكن تطبيقها، ويمكن أن يدفعوا جميعا ثمنها.