من منا لا يعرف القائد الكوردي صلاح الدين الأيوبي الذي فتح بيت المقدس وطرد الصليبيين في معركة حطين، الذي نردِّد اسمه دوماً في كل انتفاضة لفلسطين، مؤمنين بما صنعه للمسلمين في تلك الفترة. هذه المعلومة هي التي تعلمناها وحفظناها عن ظهر قلب في مناهجنا الدراسية، بعد ذلك شاءت الأقدار أن يكون لي زميل في مجال التدريب كوردي من الشطر السوري، تبعاً لاتفاقية سايكس بيكو في بداية القرن التاسع عشر التي قسمت الأكراد إلى أربعة أجزاء، في العراق وسوريا وإيران وتركيا. استعدت التاريخ معه واستعدت شغفي به وأصبحت أبحث عن كل ما يخص هذا الشعب الذي لا يُخفي محرك البحث «عمّ جوجل» وجوده ولا ينكره ويوثِّق مجازر باليوم والشهر والسنة ارتكبت بحقه، لكنه لم يضع اللغة الكوردية في قائمة اللغات ضمن برنامج الترجمة الخاص به، يبدو أن سريان الاتفاقية «سايكس بيكو» يشمل التكنولوجيا الحديثة. الشعب الكوردي عانى كثيراً من الاضطهاد القومي، فنظام صدام ارتكب كثيراً من المجازر بحق الأكراد وأبادهم بالكيماوي في الأنفال وحلبجة، وكذلك حافظ الأسد ونظامه البعثي أيضاً، حيث كان يضيِّق عليهم في لغتهم وعيشهم، وفي إيران مازال يُحكم بالإعدام على كل من ينتمي للحزب الكردستاني في ظل صمت دولي. في عام 1991م حصل أكراد العراق على الحكم الذاتي، حيث يسمى الآن إقليم كوردستان العراق، ورئيسه «السروك» مسعود البارزاني «ابن مصطفى البارزاني – رحمه الله- صاحب الحكم الذاتي الأول في عام 1970 الميلادي» الذي أخذ على عاتقه استعادة كردستان. قبل عدة سنوات كان «السروك أي الزعيم باللغة الكوردية» في الرياض لزيارة الملك عبدالله – رحمه الله – لبحث المسألة العراقية حينها، وقد قام المغفور له الملك عبدالله بتقليده وسام الملك عبدالعزيز، وهو أعلى وسام في المملكة يمنح فقط للقادة والرؤساء، إيماناً بأهمية هذا الزعيم ودليلاً على عمق العلاقات بين السعودية والإقليم، وفي موسم حج عام 2013 أصدر الملك عبدالله – رحمه الله- أمره بترجمة القرآن وتفسيره إلى اللغة الكوردية وتوزيعه في مكةوالمدينة ليستفيد منها الحجاج والمعتمرون الكورد. الملك الإنساني – رحمه الله – بعث بالأفعال رسالة لهذا الشعب الكريم محاولاً أن يضع المحبة فوق أحقاد ولَّدتها السياسات الحمقاء التي تظن أنها قد تتمكن من إبادة شعب له تاريخه وأرضه، سياسات ذهب ضحيتها الشعب الكوردي الذي يصل عدده في العالم إلى حوالي 60 مليون كوردي. شغفي بمعرفة هذا الشعب لم يقف عند هذا الحد، بل زرت أربيل «هولير» وهو الاسم الكوردي لتلك المدينة، في عام 2014، وقد كانت الزيارة قبل 21 مارس «عيد نوروز» أي عيد رأس السنة الكوردية، وذهبت إلى قلعة هولير التي تشهد على تاريخ الأكراد ووجودهم ونضالهم، وهي التي أصبحت جزءاً من التراث العالمي بقرار من منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة، وأريد أن أشير إلى أنه في العام نفسه كانت هولير عاصمة السياحة العربية وهي ليست عربية، ولكن لها محبة في قلوبنا. توجد لدينا في المملكة العربية السعودية جالية كوردية ممن مازالوا يحملون جوازات دول تتضمن أجزاءهم، وهي محط احترام، وكان لهذه الجالية أيضاً مشاركات في مهرجان الثقافة والسفرة العالمية في 2012، حيث قدموا تراثهم وثقافتهم التي حظيت بإعجاب مَن زاروها ونقلوا من خلالها رسالة العيش المشترك حتى في رقصاتهم، وأيضاً لدينا عائلات تحمل اسم «الكردي» من الذين هاجروا منذ مئات السنين وأصبحوا جزءاً من المجتمع السعودي ومن لبناته وبنيانه. لمع اسم الكورد في كل المحطات الإخبارية سواء في إقليم كوردستان العراق أو في الشطر السوري بعد انتصاراتهم على داعش بكل بسالة من قبل «البشمركة» ويقصد بهذه الكلمة المقاتلين الكورد، وسر قوتهم يعود إلى معنى ذلك الاسم، ومعناه حرفياً «الذين يواجهون الموت» رغم قلة عتادهم في بداية المعركة. أقول هذا من مهبط الوحي وأرض الحرمين الأرض التي تزهر إنسانية وتزرع المحبة، الأرض التي ترحب بمن سكنها ومن يقدم إليها ويعمل فيها كل خير، مقالتي هذه رسالة إنسانية من ابنة هذه المملكة لكل الشعب الكوردي بكل أطرافه، علهم يودعون الحقد والظلم الذي صار عليهم من اتفاقيات وسياسات ليس لأحد منا فيها ناقة ولا جمل، ولتكن المحبة بدلاً منها كي تتعايش الشعوب بخير ونكون مع بعضنا بعضاً كما أخبرنا الله بأنه جعلنا شعوباً وقبائل لنتعارف، وأن أكرمنا عند الله أتقانا، وليس بلغتنا أو هويتنا أو قوميتنا.. وأقول بعدها «أز چوان حزدكم».