عرف عن العرب منذ الجاهلية حب الفخر والاعتزاز بالنفس، والانتماء للقبيلة، وقد سجلت الدواوين الشعرية والمجاميع الأدبية أجود أنواعها، وتلك القصائد علاوة على قيمتها الفنية والتاريخية والاجتماعية تحمل معنى آخر ورسالة سيادية يستفيد منها واقع اليوم، فشعراء الأمس في تفرقهم يبعثون رسالة مفعمة بروح الهوية المتوحدة مع القبيلة إلى أبناء قبيلتهم اجتماعا، وإلى أبناء القبائل الأخرى ترهيبا وتخويفا، وما تلك القصائد في أعرافهم المجتمعية إلا وسيلة من وسائل الوحدة. وفي مقابل تلك القصائد الوحدوية بالأمس نجد (شيلات) اليوم المنتشرة داء خبيثا يجتث عروق الوحدة في جسد الوطن الواحد، إلى جانب آثارها السيئة اجتماعيا ووطنيا وفنيا واقتصاديا.. إن ارتفاع معدل الظهور الجديد المتعدد تلك الشيلات ومتابعتها يضع خطا أحمرا على هامش الوحدة الوطنية فبقراءة سريعة لغالبية أبيات تلك القصائد المعنية بالحديث نجد أنها تكريس لصفات المديح الأصم واستدعاء في استعداء لأيام الحروب المشهورة لتلك القبائل والتي كانت قبل توحيد المملكة، مما يجعلها دعوات عدائية وثارات واستثارات حربية في وقت نحن في أمس الحاجة إلى دواعي الوحدة لا الفرقة. وليس هذا فحسب فضياع الوحدة الوطنية بهذا النغم البائس يضيع في المقابل قيمة فنية جغرافية أثيرة وهي متعلقة أشد التعلق بالموروث المناطقي الذي يعد ركيزة جمالية وهوية تعددية إثرائية في جسد تتنوع تضاريسه وتختلف فنونه وأنغامه بين جبل ووادي وصحراء وسهول زراعية؛ بحيث أصبح النغم موحدا العبرة فيه بالأنغام الراقصة فحسب، وليست تلك الحقيقة أو الواقع الوطني لمملكتنا الغنية بفلكلورها الفني في الغناء والرقصات، مما يجعل جيلا جديدا ينشأ بعيدا عن وطنيته وتاريخه الموروث خاصة الجمالي منه؛ ومن جانب آخر لئن كنّا قبل أعوام قليلة نستنكر المبالغ الباهظة التي تدفع للشعراء في المناسبات الاحتفالية مقابل بعض الكلمات والأبيات التي تغنى فيها، فإننا نجدها اليوم أولى مما يدفع لمنشدي تلك الشيلات الذين يضعون أسعارا مختلفة بحسب المعاني المطروقة فخرا أو مدحا أو رثاء فلكل غرض ثمن ولكل نغمة سعرها، إضافة إلى المبلغ الذي سيدفع لاستوديوهات التسجيل وهذا شيء آخر لا دخل للمنشد به، لا سيما وهذا المنشد يقدم خدمة جليلة بهذا النغم (الإسلامي) كما يتذرعون به، لذلك نجد البعض من هؤلاء يتخير مجموعة من الأغاني المشهورة لكبار المطربين فيعمل على إعادة تسجيلها بصوته وبإيقاعات مزعجة بحثا عن أسلمتها، متناسيا أن جمال تلك الأغنية بعد الكلمة الأنيقة واللحن الساحر يعزى للصوت الرخيم للمطرب، لذا وجب أن تكون هناك طريقة تتبناها جمعية الثقافة والفنون لإيقاف هذا التلاعب، والحفاظ على الحقوق الفكرية للفنانين خاصة المتوفين منهم، والرقي بالذائقة الفنية لجمهور المتلقين خاصة الجيل القادم. فحفاظا على الجمال والفن وقبل ذلك وبعده .. الوطن.. أوقفوا تلك المهازل.