تأتي كلمة اقرأ لتكون الرسالة الأخيرة إلى الكون بأكمله، يخاطب بها الله عز وجل العقل الإنساني لتكون هناك علاقة جديدة بين الله والبشر إلى أن تقوم الساعة، فكلمة اقرأ ما هي إلا مدخل لجميع العلوم والفرائض من صلاة وصوم وغيرها، فقد غيرت الداخل قبل الخارج وغيرت كيان الإنسان وأحدثت فيه شيئا غريبا.. فقد هدمت مبادئ وأفكارا وسلوكا وقيما محطوطة وبنت وأسست ما يهيئ العقل البشري لبناء المكان بفكر جديد وحلة جديدة، لينبثق منها تاريخ أمة عظيمة لها مجد عريق لتتغير بعدها الأرض بانتصارات تلو أخرى. ولكن ما صعق الواقع وهدم فكر حضارتنا هو أن أمة اقرأ الآن لا تقرأ. لن نسترجع مجدنا ولن نخرج من ظلمتنا إلا بتطبيق كلمة اقرأ، تلك الكلمة المملوءة بالحكم والعلم، ووعاؤها ينضح بالأمجاد، وفي قعرها مجد عريق لأمة عظيمة قد هدم، يشكو للزمان ويريد الرجوع، هذه الكلمة بها دين عظيم أصبح اليوم مبتورا يريد أن نرجع إلى أساساته وقواعده ليظهر عزتنا بعدها. هذه الكلمة تحوي من اللآلئ الحسان ما يغني البشرية ويفقهها ويكسبها العلم ليعيش في النور بدلا من الظلام وكأنها حكمة ربانية لمن يعشق التأمل عندما وردت العلقة في ظلمة الرحم بعد كلمة (اقرأ)، كمثال بأننا سنبقى في الظلام إلى أن نقرأ كي نستفيد من الاختلاف الإنساني عن باقي المخلوقات. إنني لا أفسر هذه الكلمة إلا بالحلقة المفقودة التي طال البحث عنها، ولكننا لن نجدها بالحفر عنها والتنقيب في باطن الأرض أو في قاع البحار والمحيطات أو داخل لؤلؤة أو مرجانة مختبئة في باطن حوت، إنما مكانها ومستقرها في ذلك العقل الذي يحمل وعيا منسوجا نسجا ربانيا نستوحي منه إعجاز الخالق، فهي مسجونة داخل أغواره تنتظر فقط إطلاق سراحها، ولن يحدث ذلك بفك سلاسل أو فتح زنزانة سجن، إنما بذلك القرار الذي سيتخذ من القراءة حكاية لا نهاية لها وليست فقط بداية. كي نصل إلى النور الذي بتنا نبحث عنه في أغوار مخيلتنا وذلك النور مفتاحه (اقرأ) والتي كانت بادئة أعظم كتاب سماوي وهذا يكفينا دليلا على مكانتها وعظمتها، وإنه لن نبتر عجزنا وسلبيتنا التي أدى بأمتنا صاحبة الجذور العميقة إلى انفراط عقدها وانهيار بنائها العظيم إلى الضعف بعد القوة فتحولت إلى لقمة سائغة لكل محتل ومعتد لتصبح بعد ذلك تابعة، بعد أن كانت متبوعة. ولكي نرد على تلك الأصوات والأبواق الغربية التي تؤكد بأن الأمة العربية قد ذهب مجدها إلى غير رجعة وأنها أصبحت غير قادرة على مواكبة التقدم والنهوض، وأنها تخلفت عن الركب لتصبح في آخر الصف قزما لا يراه الجمهور، فدعوة إلى تطبيق كلمة (اقرأ) تلك الكلمة التي تلامس شغاف القلب وتجمع شتات العقل وتغذي الفكر والروح، فدعونا نسابق الركب إلى أن نصل ولنمحق اليأس ونحل بدلا منه الأمل لنجمع حطام أرواحنا بقوة أنفسنا ونعيد المجد العملاق إلى صفوف الساحة ولنكن نحن في المقدمة.