انطلاقا من القول "إن لم تكن معي فأنت ضدي" بدأت ملاحظتي الدقيقة لسلوكيات الأشخاص وردات فعلهم تجاه من يختلف معهم، ووجدت أن الغالب يهاجم هجوما حادا حيال من يخالفه حتى ولو كان رأيا ثانويا، إلا أنهم يعتبرن هذا الاختلاف انتقاصا لهم وتقليلا من شأنهم وآرائهم وأفكارهم، وهذا نلاحظه عندما نستمع إلى الآخر وهو يردد عبارات مثل "معليش أو آسف أو سامحني أو عذرا، أنا أختلف معك"، وكأن هذا الاختلاف عيب أو تعدّ يضعه في دائرة الاعتذار المسبق، متناسين أن هذه طبيعة بشرية وسمة خلقية وضعها الله منذ أن فطر السماوات والأرض، فَلَو تفكرنا لوجدنا أن اختلاف الرجل عن الأنثى ينتج بشرا آخرين، وأن اختلاف النهار عن الليل ينتج الحياة بكينونتها، وكذلك اختلاف التفكير واختلاف الطباع واللغات والمسميات ...إلخ. ووجدت أن فئة أخرى تعتبر ثقافة الاختلاف هذه شمّاعة تعلق عليها كل الأخطاء والعادات السيئة وما سواها، أما البعض فيراها سمة الله في خلقه ويتقبلها تقبلا واسعا، وهؤلاء حقا هم الفئة الواعية، وقد ينتج اختلاف بيئة عن بيئة ثقافة جديدة تأخذ المميزات من كل بيئة، فلولا الاختلاف لما ميزّنا الجميل من القبيح، ولولا الاختلاف لسار الكون كله في روتين واحد ومسار واحد يرمي بِنَا نحو الهاوية، تقبل الاختلاف من عدمه يعتمد على بيئة الشخص المحيطة ونمط التفكير واحترام رأي الآخر، وقديما قيل: (لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع)، فتفكروا يا أولي الألباب.