على مدى عقود طويلة، ومنذ إنشاء الإدارة العامة للمجاهدين بوزارة الداخلية في عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - يرحمه الله - وحتى الآن، ظلت هذه الإدارة تمثل الخط الثاني في تأمين الوطن ومواجهة أية عدائيات، فضلا عن حراسة مصادر المياه، وخطوط البترول، ومكافحة التسول، والمخدرات، ومساندة الأمن العام، والمشاركة في خدمة ضيوف الرحمن، وغيرها من الأعمال الكبيرة التي تقوم بها ، وذلك عبر مراكز أمنية عديدة ونقاط تفتيش متحركة، ودوريات رسمية وسرية، على مدار الساعة، متى ما استدعت الحاجة ذلك. "الوطن" زارت قوات المجاهدين بمنطقة عسير، في المحافظات المختلفة، وصولا إلى المناطق الحدودية، وجاءت الانطلاقة من مقر مبنى الإدارة العامة للمجاهدين بعسير في مدينة أبها، فيما حرص مدير عام فرع الادارة بعسير، محمد سعد شفلوت، على توفير المعلومات حول الجهود الكبيرة التي يقوم بها رجال المجاهدين، إلى جانب القوات الأمنية لتحقيق الأمن وحفظ الإستقرار بالمنطقة، حيث قال إن مهام المجاهدين بالمنطقة كثيرة ومتعددة، وتعتبر الخط الثاني لأمن الحدود، وتعزيز الرقابة الحدودية، ومكافحة التسلل والتهريب بشتى أنواعه، ومساندة جميع القطاعات الأمنية والخدمية بالمنطقة، لضبط الأمن وخدمة المجتمع، في كل ما يتعلق بالمصلحة العامة، مشيرا إلى أن رجال الإدارة لديهم خبرات أمنية متراكمة، ودور بارز، وإنجازات متميزة في المنطقة، ويعملون بصمت وإخلاص وينفذون جميع المهام الموكلة لهم بروح معنوية عالية. وأشار شفلوت إلى بعض أعمال المساندة التي يقوم بها فرع الإدارة العامة للمجاهدين بعسير، وقال إنها تشارك الجهات الأمنية بنقاط التفتيش، كما تتولى إلى جانب عدة جهات مسؤولية حراسة محطات المياه ومصادرها، والمشاركة في حراسة بعض المواقع المهمة، والعمل مع الجهات الأمنية طوال الوقت، بما فيها الوجود الأمني الدائم بالأودية والشعاب والجبال بالمنطقة، مؤكدا على التضحيات الكبيرة التي يقدمها المجاهدون، وأن منهم من فاز بالشهادة أو أصيب أثناء تأدية مهامه، غير أن ذلك يزيدهم قوة وعزيمة وإصرار على الدفاع عن حياض هذا البلد ومقدساته. أمن الأهالي جاءت محافظة سراة عبيدة، كمحطة ثانية، ومرورا بعقبة الجوة، وصلت "الوطن" إلى مركز الفرشة، حيث نقطة أمن "شني" المشتركة، التي تضم المجاهدين ورجال الشرطة، وقال رئيس نقطة الضبط الأمني، سلمان سبعان القحطاني، إن رجال الإدارة يقومون بإحباط كل محاولات التهريب بأنواعه المختلفة، سواء كان تهريب متسللين أو مخدرات وغيرها، إضافة إلى استعدادهم لتقديم الدعم اللازم حال طلبه من زملائهم في الخطوط الحدودية. وفي الطريق إلى مركز وادي الحيا، صادفت "الوطن"، كميناً نصبه المجاهدون للإطاحة بالمتسللين ومباغتتهم، في المواقع التي يعتقدون أنها "آمنة" بالنسبة لهم، وأن أعين المجاهدين قد تغيب عنها، بسبب وعورتها، إلا أن تلك التصورات منيت بخيبة أمل المتسللين، لأن المجاهدين أصبحوا يلمون بأدق تفاصيل قمم الجبال وبطون الأودية، ويمتلكون من الآليات ما يتواءم مع ذلك. وبجوار كمين وادي الحيا، تم ملاحظة أن هناك أعدادا كبيرة من الطلاب خلال انصرافهم من إحدى المدارس هناك، حيث يعودون إلى منازلهم بكل اطمئنان بعد يوم دراسي، لا يكاد يختلف عن الأيام الدراسية الأخرى في المناطق البعيدة عن الحدود، فيما أكد المتحدث باسم الإدارة بعسير سعيد جرمان آل مريح، أن أمن الطلاب والسكان يشكل أهمية قصوى بالنسبة لهم، لذلك فإنهم يؤدون مهامهم بين المواطنين في تعاون تام معهم. حركة تجارية مستمرة تواصلت جولة "الوطن" في مثلث شني، وبالقرب من سوق الأغنام، حيث رصدت استتباب الأمن، إذ تتعالى أصوات الباعة وهم يدعون زبائنهم، ووسط إقبال كبير من المواطنين، تجري عمليات البيع والشراء في مناخ آمن ومستقر. أحد باعة الأغنام بالسوق، ويدعى مفرح القحطاني، قال إنه يمضي يومه بين جنبات السوق، مع أبناء جماعته، وزملائه الباعة وزبائنه المشترين، مضيفا " الحمد لله، نعيش في استقرار ورخاء، ونشعر بالاعتزاز ونحن نرى رجال قوات المسلحة، وهم يرابطون على حدودنا لحمايتها والذود عن وطننا الغالي". بائع آخر يدعى سالم عواض، قال "نعيش مع أطفالنا في آمن وأمان، ولا يوجد ما يدل على وجود حالة حرب هنا سوى آليات رجال أمننا البواسل وهي تشق طريقها نحو الحدود، فنشعر في وجودهم بالأمن والإطمئنان والراحة، ونسأل الله العزة والنصر لهم، والرحمة والمغفرة للشهداء". سُحب وسحايب بعد انتهاء رجال المجاهدين من ضبط المتسللين ، واصلت مركبات الدفع الرباعي السير، إلى أن وصلت إلى قمة جبلية في منعطف طريق جبلي وعر، يتمركز فيها عدد من المجاهدين، وسألت "الوطن"، مدير العمليات عن أهمية ذلك الموقع وتمركز عناصر الإدارة فيه، فقال إن هذا الموقع يعرف باسم "سُحب وسحايب" نظرا لتعدد القمم الجبلية فيه، والتي تقع على بمنطقة حدودية تربط بين المملكة واليمن، وأضاف "نحرص على متابعة هذا الموقع باستمرار وبشكل دائم، كونه يمتاز بإطلاله على عدد من الأودية وكذلك يتوسط سلاسل جبلية كثيرة جداً، والمهربون والمتسللون عادة يحاولون استغلال مثل هذه المواقع لتأمين حركتهم عبر محاولة مراقبة التحركات الأمنية، لكننا قطعنا عليهم كل السبل، حيث لا يكاد يوجد أي طريق هنا إلا وأعيننا ترصده، ونتابعه بشكل دائم، على مدار 24 ساعة يوميا، وهو ما أدى للقضاء على حركة المتسللين والمهربين وسهل ضبطهم ومتابعتهم. تضاريس وعرة في مركز آخر، هو مركز خشم عنقار، حيث حرص رجال الإدارة على توفير مركبات ذات دفع رباعي، بسبب الطرق شديدة الوعورة والتضاريس الصعبة هناك، وبمرافقة مدير إدارة شؤون العمليات يإدارة المجاهدين بعسير، حسن هصام آل عايشة، والمتحدث الرسمي سعيد آل مريح، وخلال الصعود لأحد الطرق الترابية شديدة الوعورة، توقفت عربات رجال المجاهدين فجأة عقب سماع إشارات لا سلكية، وترجلوا من مركباتهم، ليتم التوجه إلى قمة أحد الجبال هناك، حيث تمكن المجاهدون من الإطاحة بعدد من المتسللين الذي حاولوا الفرار من إحدى دوريات المجاهدين والتحصن في كهف بقمة جبلية، وفوراً قامت الفرقة القابضة بفرز المضبوطات معهم وتفتيشهم وتأمين الموقع ونقلهم تمهيداً لتسليهم إلى جهة الإختصاص. وفي تعليقه على واقعة الضبط، قال مدير شؤون العمليات بمجاهدي عسير، إن المهربين والمتسللين يحاولون التسلل في الجبال خلال فترة الظهيرة، لاعتقادهم أن رجال الأمن سيلجأون فيها للراحة، إلا أن التنسيق المستمر ويقظة رجال المجاهدين يجعل ظنونهم مجرد أوهام وسراب. استخدام الحيوانات للتهريب قال رئيس الدوريات المنطلقة بقطاع ظهران الجنوب، سلمان محمد يحيى، إن المهربين وبسبب تضييق الخناق عليهم، يلجأون إلى استخدام الحيوانات، مثل الحمير، في عمليات التهريب، حيث يحاولون إطلاقها من بعض النقاط ليستلمها مهربون آخرون في نقاط بعيدة، عبر اطعامها في بعض المواقع وإطلاقها لتعود تلقائياً إلى مواقعها السابقة التي ستجد فيها طعامها، مبينا أن تلك الحيلة باتت من الحيل القديمة التي يجيد رجال الإدارة التعامل معها وكشفها بكل سهولة. وأضاف أن المهربين يستخدمون وسائل مختلفة كالحيوانات، أو عبر المتسللين أو المركبات، ولكن جميع المواقع، حتى وإن كانت ذات تضاريس شديدة الوعورة، فإن المجاهيدن يطلقون فيها دوريات تتبع راجلة وسيارة، لرصد أي تحرك وطلب الدعم اللازم تمهيدا لضبط المهرب أو المتسلل بصورة مفاجئة.