بالتزامن مع تعاقب وزراء الصحة لقيادة هذا المرفق الحكومي الهام، أصبح من الروتيني أن يكون هناك تعميم بإعادة الممارسين الصحيين المكلفين بالأعمال الإدارية لتولي مهامهم الأصلية في ظل العجز الكبير بمختلف القطاعات الصحية، ورغم صرامة اللهجة وحدة التوجيه في التعميم المتكرر إلا أن معظم الممارسين الصحين ومن ذوي التخصصات الهامة لم يتزحزوا من مقاعدهم الإدارية، ومنهم عدد من وكلاء الوزارة ومديري الشؤون الصحية بمختلف المناطق والمحافظات. أطباء على مكاتب إدارية رصدت "الوطن" أن هناك خمسة على الأقل من وكلاء الوزارة والوكلاء المساعدين هم من حملة الشهادات الطبية، وأغلبهم من ذوي التخصصات النادرة التي تحتاجها المستشفيات، إضافة إلى تعيين عدد من الأطباء مدرين تنفيذيين لعدد من المدن الطبية، أحدهم تخصصه جراحة قاع الجمجمة، والآخر استشاري جراحة عمود فقري. وبلغ عدد الممارسين الصحيين في إدارة 13 مديرية 10 ممارسين، إضافة إلى وظائف إدارية داخل مبنى الوزارة. نقاش متكرر أستاذ الإدارة الصحية بكلية الاقتصاد والإدارة بجامعة الملك عبدالعزيز في جدة الدكتور عمر الشرقي، بين في إجابة له على استفسارات "الوطن" حول الأجدر والأكفأ في إدارة المرافق الصحية، أن هذه النقطة من النقاش المتكرر بين الهيئتين الطبية والإدارية، فلا يمكن أن يكون إداريا إذا لم يسلح ببعض المواد الطبية والتي يجب عليه أن يدرسها في مرحلة البكالوريوس، كما هو معمول به في قسم إدارة الخدمات الصحية والمستشفيات بكلية الاقتصاد والإدارة، كما أن الطبيب لا يمكنه القيام بهذا إلا بعد أن يحصل على مؤهل دراسي مثل الماجستير في إدارة الخدمات الصحية والمستشفيات، وبالتالي يكون التأهيل لإدارة المرافق الصحية هو الذي يحكم على من يُدير هذه المرافق. هدر للمال العام يرى الشرقي أن تكليف الممارسين الصحيين يؤثر على مخرجات العمل بكفاءة وفاعلية، إذ إن إعطاء الممارس الصحي أعمالا إدارية لا خلفية له بها يضعه في حرج، بسبب أنه ليس لديه المعرفة العلمية بأداء الأعمال الإدارية، وبالتالي يؤدي أعماله عن طريق التجربة، وقد تصيب وغالباً ما تخطئ. وأضاف أن الممارس الصحي أُنفق عليه ليعمل في المجال المهني الصحي وليس في المجال الإداري الصحي، مؤكدا في ذلك إهدار للمال العام، فالحكومة أنفقت الكثير من المال على تدريس وتدريب هذه الفئات حتى يصبحوا أفراداً فاعلين في مجال تقديم الخدمة الصحية، مشيرا إلى أن قيام الممارسين الصحيين بالأعمال الإدارية يُعتبر مخالفة واضحة للنظام الصحي السعودي. احتياج الوزارة يتزايد أكد الشرقي أن نسبة الأطباء السعوديين ما زالت تراوح مكانها منذ نحو 20 عاما، ولم تتجاوز نحو 20%، وبالتالي فإن احتياج الوزارة يزداد لهؤلاء الأطباء لأداء الأعمال المتخصصين بها بدل إسناد الأمور الإدارية لهم، قائلا "نرى في كثير من دول العالم أن من يقوم على إدارة المرافق الصحية هم من غير الأطباء فنجد أن في كندا وأميركا (4 من 5) من مديري المرافق الصحية هم من الإداريين، ونجد في فرنسا رجال القانون هم من يديرون المرافق الصحية". "الوطن" توجهت بعدد من الأسئلة إلى المتحدث الرسمي لوزارة الخدمة المدنية حمد المنيف، وطلب إرسال الأسئلة إليه، ورغم مضي أكثر من شهر لم يصل يرد عليها. روح النقابة من تجربته في الإدارة، أورد الراحل غازي القصيبي ملاحظاته على تكليف المتخصصين الفنيين بمهام إدارية، وعلى الرغم من أن رأي القصيبي الذي جاء في كتابه حياة في الإدارة كان يتناول الوزراء فإنه يمكن ببساطة إسقاطه على جميع الوظائف القيادية: "الوزير المتخصص يكون أقل فعالية لسببين رئيسيين، الأول ينبع من غريزة بشرية متأصلة: الناس أعداء لما جهلوا، أصدقاء لما عرفوا، من هذا المنطلق يركز الوزير المتخصص على الأمور الفنية الدقيقة التي يتقنها، والتي أفنى شبابه في دراستها، إذ ينزع الطبيب إلى الدخول في تفاصيل طبية دقيقة، وينزع وزير الكهرباء المهندس إلى الدخول في تفاصيل المخططات الكهربائية الهندسية، السبب الثاني: يشكل أعضاء المهنة نقابة – فعلية أو معنوية- يلتزم أعضاؤها بالولاء المتبادل للمهنة، فلا يوجد طبيب ينتقد طبيبا آخرا علنيا، ولا مهندس ينقص من شأن مهندس آخر، روح النقابة هذه تؤثر لا شعوريا على قرار الوزير المتخصص".