استطيع القول، انك قد تكون الوزير الوحيد، الذي حينما جاء اسمك ضمن قائمة التشكيل الجديد لبعض الوزراء، اخذ الكثير بالتعاطف معك والدعاء لك, التعاطف معك نتيجة حبهم لك جراء نجاحاتك السابقة واللاحقة - بإذن الله – في تخصصك الجراحة, ودعاؤهم لك حيث استشعارهم حجم المسئولية من جانب, وادراكهم حاجات المواطن ومتطلباته التي لا تنتهي في مجال الخدمات الصحية من جانب آخر، في الوقت الذي يعانون فيه من رداءة تلك الخدمات، ويعوون صعوبة تحسينها والرفع من مستواها. فالجميع – بمن فيهم أنت يا معالي الوزير- يدركون صعوبة أن تكون وزيراً للصحة في بلد يزداد نمواً واتساعاً, بل ورقياً في وعي المواطن الصحي وتعدد وتنوع متطلباته, إضافة إلى الوضع غير المرضي لحال تلك الخدمات. لذلك لا أظنك في حاجة إلى من يقول لك ماذا تفعل وكيف تفعل فأنت الأقرب والادرى بالمجال الصحي. ولكن تبقى هناك نقطة, بل قضية حساسة, عليك إدراكها والشجاعة في مواجهتها, لأنها كما يرى الكثير من المعنيين والمتابعين والمهتمين بشأننا الصحي واحدة من المشاكل التي تقف حائلاً أمام تقدمنا الصحي. قلت إنها حساسة وعليك مواجهتها لأنني أدرك أنها قد تقودك إلى صدام ربما لا ينتهي داخل الوزارة وخارجها، ولكن معالجة الجروح, وأنت الجراح الماهر, تحتاج بعض المشارط والأدوية الحارة أحيانا واللاسعة أحيانا أخرى. تتمثل هذه القضية في أن الوزارة وإداراتها وأقسامها الادارية تدار من قبل مجموعة من الأطباء المتخصصين في الطب, ولكنهم بلا شك غير متخصصين أو مدركين للإدارة وخفاياها. أرجو منك أن تطلب هيكل الوزارة الإداري وفروعها ومديرياتها لتكتشف أن تلك الإدارات والأقسام والوحدات تدار من قبل أطباء, تركوا التخصص الذي درسوه, وقاموا من خلال تلك المهام الإدارية بممارسة تخصص لم يدرسوه ولم يعرفوه من قبل. استطيع أن افهم –يا معالي الوزير- أن تسند بعض الإدارات الفنية إلى أطباء أو فنيين متخصصين وأقول, بل ويقول بذلك المتابعون لشئون الوزارة وشجونها أن ذلك قد-وأقول قد - يكون أمرا ضروريا, ولكن ما يستعصي على الفهم أن تسند وحدات ومهام إدارية بحتة إلى أطباء كان الأولى أن يكونوا في عياداتهم ومستشفياتهم. لإعطاء بعض الأمثلة على ما قصدته، فإنه من غير المقبول والمعقول أن يكون المسئول عن التخطيط والتطوير أو المسئول عن التدريب أو المشرف على التموين الطبي أو من يدير مديريات الشئون الصحية من الأطباء, إذ إن هذه تخصصات إدارية بحتة, قبل بذلك الأطباء أم لم يقبلوا. لذلك, يا معالي الوزير, فإن نقطة الإصلاح الأولى، والانطلاقة الهامة لإيجاد نظام إداري قوي قادر على تطوير خدماتنا الصحية يبدأ من داخل الوزارة، وذلك بإسناد الأعمال لأصحابها المتخصصين فيها، حتى لو جابهت ضغطاً قوياً من نقابة الأطباء, كما اسماها وزير الصحة الأشهر غازي القصيبي. إن الانتصار لمصلحة الوطن، من خلال الانتصار لمصلحة الخدمات الطبية وجودتها، أولى من الارتهان لضغوطات زملاء المهنة والتخصص، حيث الأولى شرط للنجاح، والثانية استمرارا للإخفاقات، التي لن يقتصر ضررها على الوطن والمواطنين فقط، بل سيمتد ليطال الأطباء أنفسهم.