قرأت في صحيفة الوطن مقالا بعنوان: (العلمانية هل ينجبها رجال الدين) بتاريخ 18/1/2016 لمجاهد عبدالمتعالي. ابتدأه بتقرير عن أن الصراع الطائفي بين طرفي دين واحد قد أنتج علمانية عقلانية تنظر للأمور بنظرة أخرى، ثم أسقط تلك القاعدة المغالطة المغلوطة على الواقع الإسلامي والصراع السني الشيعي، وهذا المقال فيه مغالطات كثيرة نشير لبعضها إلى جانب ما أحسن فيه بنهاية المقال. قال مجاهد: "قام رجال الدين من كلتا الطائفتين بإخراج مثالب بعضهما أمام أتباعهما.. تكفيراً وتفسيقاً وتبديعاً، ومع تزايد الصراع بين رجال دين الطائفتين استجابت الجماهير في البداية إلى حد الاشتباك في حروب دينية ومنها حرب الثلاثين عاما". أقول هذا الكلام فيه مغالطة وتجن على الإسلام وقياس فاسد لفساد أصله وبعد فرعه عنه، وإن منشأ المغالطة في علمانية الكاتب وانحرافه عن فهم الإسلام، إما لشبهة وإما لجهل به أو انخداعا بالمستشرقين الذين أرى نفسهم ظاهرا جليا بالمقال، فكاتبنا الموقر أعاد كتابة المستشرقين ثم ختمها بتنزيله على الواقع الإسلامي، قياسا للصراع الإسلامي على الصراع الكنسي، وبروز رجال الإنقاذ والظل الخفي، العلمانيون! كما يصورهم الكاتب الألمعي! فأقول: يا أيها المفكر العلماني هذه مغالطة، فالصراع الإسلامي الداخلي صراع بين فرقة قامت على أسس الحق ومتابعة الوحي، وفرقة منحرفة عُلم انحرافها شرعا ووحيا وعقلا! فقوم قالوا بألوهية البشر وخالفوا صحيح المنقول وصريح المعقول؛ كيف تساويهم بطائفة لم يتعارض عندها معقول بمنقول ولو في نص واحد وحادثة واحدة، فالصراع الإسلامي الشيعي ليس كالصراع الكنسي الكنسي، لأن الصراع الكنسي بين رجال تنازعوا الكهنوت والسيطرة على الناس باسم الدين مع فساد الخلق والدين والمروءة، مع الظلم والتوحش وأكل أموال الضعفاء والتعاون مع الطغمة المجرمة الحاكمة ليتآكلوا الضعفاء والمساكين. أما أمة الإسلام فليس هذا فيها، ليس في الطائفة المنصورة الحقة التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم أنها باقية ليوم القيامة وليدخلن دينها كل بيت من وبر ومدر بعز عزيز أو ذل ذليل حتى تقوم الساعة، فالإسلام غير، وأهل السنة والجماعة غير، وخلافهم مع غيرهم ليس من باب الكهنوت، بل من باب التدافع بين الحق والباطل، بل الإسلام لا يعرف الكهنوت، غير أن الفرق الضالة تشبهت بالنصارى في الكهانة لتعيد مفهوم الكنهوت، وهؤلاء كغلاة الصوفية وأشدهم غلوا في هذا هم غلاة الشيعة الذين نوهت إليهم، ولو طالعت أبواب الكافي للكليني في الأصول ورأيت منازل الأئمة علمت أنهم بذرة نصرانية بأيد يهودية غرست في أرض مجوسية، وعندها ستعلم أنك متجن على الإسلام وأهله والقرآن والسنة، فصراعهم مع أهل السنة أو الإسلام ليس كالصراع الطائفي على كهنوت الزعامة، فأهل السنة ليس عندهم تقديس للشيوخ بل الصغير يرد على الكبير قوله، ولا عصمة إلا للرسول صلى الله عليه وسلم، فليس صراعهم مع غيرهم كهنوتا بل صراع بين حق وباطل، بين تأليه الله الحق وتأليه البشر، ولم يُقم أهل السنة وعلماؤهم حربا طائفية ضد الشيعة أو الصوفية أو غيرهم، كما حدث في أوروبا بعصور الظلمة التي ما زادت إلا ظلمة في باب الأخلاق والدين، ولم تبدلها للنور، وكان غلاة الشيعة هم المتعاون الأول مع أعداء الأمة من الأوربيين وغيرهم والتتر المشركين وغيرهم من الصليبيين. كما أن كلامك فيه مغالطة لولا التأويل وشبهة الدليل -وربما الجهل- لكان شيئا آخر، وهو أنك تساوي بين الدينين، دين محرف من صنع الكهان والأحبار كما نص القرآن ودين حق يبقى لقيام الساعة، فالإسلام لا يدعو للطائفية ولا الدموية، بل الأقليات اليهودية والمجوسية والنصرانية وغلاة الرافضة والملاحدة من الفلاسفة وغلاة العلمانيين الملاحدة يعيشون بأرض الإسلام، بعكس ما تفعله إيران بطائفة أهل السنة، فالنصرانية دين محرف -إلا إن كنت تعتقد استواء الإسلام والنصرانية لأنهما يؤديان لنفس النزاع الطائفي- وهذا ما يفهم من مقالك ولكنا نعذرك بالتأويل أو بأنك لا تعلم، فكيف تساوي دينا منحرفا بشهادة الغرب المتحضر الذي نقلت كلامهم حرفيا بدين الإسلام الذي شهد له كثير من المفكرين الغربيين المنصفين بأنه خير الأديان، ويمكن إصلاح الدنيا به لو ترك ليحكم بين الناس، ولكنها الكهنوتية العلمانية. وثم مغالطة أخرى: أنك برأت العلمانية من الكهنوتية والإقصائية والدموية ووصفتها بالعقلانية! فأين التدمير العلماني الذي حصل للعالم وما يحصل من إقصاء للمخالف والقتل والتدمير فيقتل آلاف في ساعات معدودة ويحرقون وتهرس جثث الموتى باسم العلمانية! وتدمر القبائل والدول باسم العلمانية ومحاربة التطرف! فالعلمانية الحقيقية ليست إلا لتضحكوا بها على الناس، والمنظرون الذين تقتدي بهم قالوا كل ديموقراطية لا بد لها من دكتاتورية تبدأ بها، عكس ما قال الإسلام بأن الحرية هي البداية والنهاية، فأين العلمانية الحقيقية التي تضحكون بها على الناس وأنها نموذج للتعقل؟! فلم نعلم عن العلمانية إلا أمثال الناصرية والبعثية والحفترية والانقلابية العسكرية الساحلة للناس بالشوارع وتحكم بالإعدامات بالجملة، المغتصبة للنساء بمدرعات الشرطة، والقذافية و(البن عليه) لم نعرف من العلمانية الحاكمة إلا الدماء، وأين حروب العالم الكبيرة التي خلفت ملايين ألم يكن الغرب وقتها علمانيا تخلص من الكهنوت الكنسي؟!! ألم تتخلص أوروبا وبريطانيا من الكهنوت النصراني وتخوض حروبا طاحنة للقومية والعنصرية والنزاع الثرواتي؟!! أين العلمانية التي بررت احتلال الجزائر 120 عاما من فرنسا وترفض مجرد الاعتذار عن المجازر والسموم النووية التي تركتها بأرضها؟!! وأين هذا من احتلال الهند ومصر وباكستان من بريطانيا وغيرها السنين الطوال؟! أليس ذلك باسم العلمانية وإخراجهم من التخلف الحضاري، ولكنهم تركوا الشعوب المحتلة أكثر تخلفا ومرضا وفقرا!! أين العلمانية من مؤتمر هنري كامبل بنرمان يا مسكين؟! أين العلمانية من التواطؤ على إهلاك سورية ذات الشعب المسكين الأعزل الذي أراد فقط حريته.. أليست العلمانية ملهمة الحرية؟!! أين العلمانية من بورما وأركان حرب على الهوية؟! أين العلمانية من قتل الحشد الشعبي الصفوي للمساكين وتهجيرهم من أرضهم ليسكن مكانهم الصفويون الفرس؟!! من كان بيته من الزجاج فلا يقذفن الناس بالحجارة، رمتني بتطرفها ثم انسلت.