الثقة عنصر مهم في حياة الإنسان، وانعدامها خسارة، وحينما تبنى العلاقة على ثقة في محلها فإن نسيح التواصل الاجتماعي سيكون متينا وقادرا على تجاوز كثير من الأوهام التي تصيب البعض داخل المجتمع وتدعوهم للشك والتوجس ومحاولة الابتعاد عن الآخرين لمجرد الشك والريبة، والاحتراز من أشياء قد لا يكون لها أساس في الواقع. والثقة يجب أن تكون في محلها وفق معاييرها الحقيقية التي تتطلب قدرا من الحكمة والفراسة في تقييم الموقف النهائي من هذه الثقة، ولكن حينما تصبح ثقة عمياء مطلقة فإن الأمر سينقلب رأسا على عقب وتصبح من السذاجة بمكان بما ينعكس سلباً على حياة صاحبها. وقد يكون الأمر مقبولا طالما بقي في نطاقه الفردي، ولكن حينما تصبح الثقة مفقودة بشكل جماعي وعلى نطاق واسع في المجتمع لأسباب غير منطقية حتى أصبحت جزءا من ثقافته وربما كانت تجنيا بلا تثبت، ساقتها رياح الدهماء على آكام الوطن وضرابه حتى أضحت حالة غريبة في مجتمعنا السعودي بشكل خاص، فإن الأمر تدور حوله التساؤلات. من بعض تلك الظواهر ما تم رصده من خلال التعاملات اليومية في معترك الحياة من التناقضات في مسألة الثقة بالعنصر البشري والمنتج المحلي وكل ما له علاقة بالوطن والمواطن، حتى أصبحت بالنسبة لنا حالات تشهد على سذاجة المجتمع أحيانا، منها على سبيل المثال وضع لوحات دعائية مختلفة المقاسات للأزياء الرجالية أو النسائية والأطفال في "المولات الكبيرة" كمثال ويرتديها نساء ورجال وأطفال أجانب ليسوا سعوديين أو حتى عرب، بل من أوروبا وأميركا، مع فارق الهيئة والمظهر بما لا يحاكي واقع مجتمعنا ولا يتناسب مع بيئته الأصلية ذات السحنة السمراء في الغالب حتى لو كان المنتج سعوديا، ولكنها جاءت بكل تأكيد من منطلق عدم الثقة بهيئة ومظهر المواطن السعودي وكأننا سنحصل على نسخة مطابقة من أشكال وألوان وهيئات الأوروبيين تماما حينما نرتدي تلك الأزياء، ولهذا من المستحيل أو النادر جدا أن تجد سعوديا يستعان به في شيء من تلك الدعايات وهي انعكاس لرغبة المجتمع في الهروب من واقعه وعدم الثقة به حتى على مستوى الدعاية الترويجية، كما تشهد على عدم ثقة المجتمع بعضه ببعض سيارات الأجرة التي يرفضها المجتمع إلا حينما يكون سائقها غير سعودي، ومن تلك الحالات الأشد ألما مسألة رفض المواطن السعودي كموظف في القطاع الخاص رغم كل الإغراءات والتسهيلات التي منحتها الدولة مقابل توظيف الشاب السعودي، وعدم الاعتراف ببرامج التدريب التي يحصل عليها قبل التحاقه بالعمل بذرائع مختلفة، بل إنه يحارب من ناحيتين: الأولى طبيعية ومتوقعة حينما تأتي من أجانب لأنهم لا يريدون أن يفقدوا فرص العمل التي حصلوا عليها، ولكنها مؤلمة جدا حينما يأتي الرفض والإصرار على عدم توظيف الشاب السعودي من صاحب المنشأة نفسه تحت ذرائع مختلفة وهذه مصنفة ضمن عدم ثقة المجتمع بنفسه. ومن نماذج عدم الثقة التي يعاني منها المجتمع مسألة الأماكن السياحية الطبيعية التي تتميز بها بعض مناطق المملكة التي لا تجد قبولا لدى المواطن ولا ترقى إلى مستوى رغبته وتجده يذهب إلى الخارج مهما كلفه الأمر، ولكن عدم الثقة هي التي أوجدت هذه الحالة المؤسفة، ومن تلك الحالات التي تنعدم فيها الثقة هي حالة المنتجات الصناعية المحلية التي لا تجد رواجا كثيرا لدى المستهلكين بحجة أنها رديئة رغم جودتها ومطابقتها للاشتراطات المطلوبة. وفي هذا السياق تتوالى العديد من حالات عدم الثقة في المجتمع السعودي بعضه ببعض حتى أصبح التنافر هو سيد الموقف في معظم الحالات وكأني بالمثل الشهير "زامر الحي لا يطرب" الذي سمعناه ورددناه دون أن نعي معناه قد أطل واختصر علينا المسافة ليبرهن لنا على تأزم الموقف في مسألة الثقة المفقودة في أوساط المجتمع السعودي بشكل يثير الاستغراب مما يسمى أزمة ثقة.