اختار عضو مجلس الشورى الدكتور حمد بن عبدالله القاضي أن يقصر حديثه في نادي المدينةالمنورة أمس عن الجانب الإنساني في شخصية الراحل الدكتور غازي القصيبي بوصفه "مفتاح شخصية الراحل"، الذي لم يكن يحب التطرق إليه حديثاً أو تأليفاً أو إعلاناً. واستشهد القاضي خلال المحاضرة التي أدارها سعد الرفاعي وشهدت حضوراً لافتاً بما رواه إمام جامع المزروعية بالأحساء الشيخ عبدالمحسن النعيم حين قال إنه كتب للقصيبي يطلب منه الإسهام بترميم الجامع فبعث إليه 30 ألف ريال مع الإشارة إلى عدم نشر شيء من ذلك. وعن الموقف الذي أبكى القصيبي نقل القاضي عن الدكتور فهيد الشريف (أحد زملائه وأصدقائه المقربين) حين رافق القصيبي عندما كان مديراً عاماً للشؤون الإدارية والمالية بوزارة الصحة لزيارة مستشفى الولادة والأطفال بالمدينةالمنورة، وعندما بدأ الجولة وجد غرف المريضات وغرف الأطفال بوضع مزر، وظل يستمع إلى شكاوى المريضات وبعضهن كن يبكين، فما كان منه إلا أن انسكبت الدموع على وجهه ولم يملك أن يرد عليهن، فجلس في إحدى غرف المستشفى واتخذ على الفور قرارات إدارية عاجلة تتعلق ببعض المسؤولين بالمستشفى ثم طلب سرعة انتقال المريضات والأطفال إلى مستشفى آخر. وفي وزارة الصحة كان القصيبي وراء فكرة لجان (أصدقاء المرضى) كما وضع (كروتاً) موقعة باسمه مع دعاء بالشفاء وتُعطى لكل مريض يدخل أحد المستشفيات بالمملكة وأمر بوضع الآية الكريمة: "وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ"; وكان وراء فكرة تأسيس (جمعية الأطفال المعوقين) التي بدأت بالرياض وانتشرت فروعها وأغصانها المورقة بالمملكة ترعى وتحنو على هذه الفئات الغالية وسار على نهجه آخرون في مناطق المملكة في اقتفاء جميل لهذا العمل. ويروي مدير مكتبه الذي رافقه على مدى 30 عاماً هزاع العاصمي أنه عندما انتقل من وزارة الصناعة إلى وزارة الصحة أصيب أحد موظفي وزارة الصناعة بفشل كلوي وتم تنويمه بمستشفى الشميسي بالرياض وزار شقيق هذا الزميل الدكتور غازي ونقل له أن أخاه رفض (الغسيل الكلوي) وأن الأطباء يقولون: إذا لم يغسل كليته فسوف يصاب (بتسمم الدم) الذي قد يقضي على حياته خلال مدة وجيزة، فما كان من القصيبي إلا أن ترك مكتبه واجتماعاً كان لديه وذهب مع شقيق هذا الزميل وأنا معهما إلى مستشفى الشميسي وواساه ودعا له ثم ظل وقتاً طويلاً يقنعه بغسل الكلى ولم يذهب إلا بعد أن اقتنع، وظل يسأل عنه ويزوره وعندما تبرع له أحد أقاربه بكلية سعد وسعى إلى زرعها في أقرب فرصة، بل ظل يرسل مصروفاً شهرياً إلى أسرته بسبب مرضه وعجزه عن العمل. وروى القاضي واقعة إنسانية عايشها معه شخصياً، يقول: "لقد كتبت له ذات مرة عندما كان وزيراً للصناعة عن امرأة هجرها زوجها بعد ارتباطه بأخرى وحرمها من رؤية أولادها وأحدهم معاق، فضلاً عن عدم إنفاقه عليها وعلى أطفاله حتى أصبحت لا تستطيع تأمين الحليب لهم، وما إن وصلته رسالتي حتى اتصل بي ليستوفي بعض المعلومات، وبعدها بذل جهده للوصول إلى زوجها القاسي - بكل سرية - وذهب إليه شخصياً في إحدى حارات الرياض الشعبية ليبين له خطأ تصرفه، ويقنعه بجعل الأبناء يرون أمهم.. وتأثر هذا الزوج الذي ظلم امرأته الأولى بهذا الموقف واستجاب لنداء ورغبة وزيارة القصيبي.