يحمل سبتمبر الجاري 2015 الكثير من المفاجآت غير المتوقعة في العالم العربي، لكنها مدروسة بعناية في العالم الغربي. سبتمبر هو "شهر الحسم" للكثير من الملفات الإقليمية والدولية العالقة قُبيل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بعد أيام منها: الإرهاب في الشرق الأوسط والأزمة السورية وأوكرانيا، واللاجئين في أوروبا، أو قل بداية التوافق حول صيغة التعاون الدولي الجديد، وطي صفحة المرحلة الانتقالية لما بعد الحرب الباردة 1989 - 2015. علاقات القطبين في فبراير الماضي أعلن مبعوث روسيا الدائم في الأممالمتحدة فيتالي تشوركين، في حلقة نقاشية حول مستقبل العلاقات الأميركية - الروسية بنادي هارفارد بوسط منهاتن، أن العلاقة بين القطبين الكبيرين ستصبح أقوى مما كانت عليه في سبتمبر 2015، لأن العالم أصبح في قارب واحد تهدده نفس المخاطر ولا يمكن أن تنفرد قوة واحدة بمواجهة الظواهر العالمية مثل "الإرهاب". سبعة أشهر هي الفترة الممتدة ما بين فبراير وسبتمبر، جرت فيها مياه كثيرة غيرت الحسابات الجيوسياسية في المنطقة والعالم منها: عاصفة الحزم في اليمن، اتفاق "مينسك" بين بوتين وميركل وهولاند حول خطة سلام لأوكرانيا، الاتفاق النووي بين الدول "5+1" مع إيران، انفتاح سعودي - روسي غير مسبوق، زيارة الملك سلمان إلى واشنطن وإعلان الشراكة الاستراتيجية للقرن 21، فتح باب أوروبا أمام اللاجئين السوريين، والبقية تأتي. حسب تعبير تشوركين فإن الإيجابية الوحيدة للتأجيل إلى سبتمبر 2015 هي، "أن يمنحنا ذلك الفرصة الكافية للمراجعة من أجل إعادة العلاقات بين روسياوالولاياتالمتحدة وحلفائها لتصبح أقوى مما كانت، نحن بحاجة إلى أن نتعلم بعض الدروس، وأن نبدأ أقوى مما كنا عليه". شفرة الألغاز اللافت للنظر في حديث "تشوركين" تأكيده على أمرين - ربما يفككان شفرة ألغاز كثيرة - الأول: تذكير الجميع بأن تعاون روسيا في المسائل ذات الأهمية الحيوية بالنسبة لواشنطن والعالم كالمفاوضات النووية مع إيران يعد أمرا مشهودا ومفروغا منه، فقد زال كثير من العقبات في هذه المحادثات التي كان من الممكن أن تجعل الاتفاق مع إيران أكثر صعوبة. والأمر الثاني وهو الأهم: استعداد روسيا والصين للتعاون مع الولاياتالمتحدة في كثير من الملفات الدولية وفي مقدمتها مكافحة الإرهاب، حيث أرجع انتشار ظاهرة الإرهاب إلى استغلال الفراغ الجيوسياسي في العلاقات الدولية، وإعادة صياغة النظام العالمي الجديد انطلاقا من الشرق الأوسط الكبير حتى وسط أوروبا. ويشير معظم المحللين في الغرب إلى أن إعادة ترتيب العلاقات الدولية تم غالبا عن طريق تفاهمات بين اللاعبين الرئيسيين: روسيا وأوروبا وأميركا وإيران وتركيا والمملكة العربية السعودية التي لعبت دورا محوريا بشكل مباشر وغير مباشر في حسم الكثير من الملفات الشائكة منذ عاصفة الحزم في اليمن مرورا بزيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى روسيا، وانتهاء بالزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى واشنطن والبدء في الشراكة الاستراتيجية للقرن 21. يكفي أن نشير إلى التوافق السعودي - الروسي الجديد في ملفين رئيسيين هما: اليمن وسورية، وهو ما أعطى دفعة قوية لحسم الخلاف الروسي - الغربي حول "سورية مقابل أوكرانيا" أو قل التوازن بين الأزمتين السورية والأوكرانية ورفع العقوبات المفروضة على روسيا من جهة، وإيجاد حل إنساني سريع لأزمة اللاجئين السوريين بفتح أبواب أوروبا أمامهم من جهة أخرى. وحسب مجلة تايم الأميركية، فإن الدول المحيطة بسورية مثل لبنان والأردن وتركيا أصبحت تئن تحت وطأة إعالة الملايين من اللاجئين السوريين. وتشير التقديرات إلى أن هذه الدول الثلاث فقط تستضيف على أراضيها 3.6 ملايين لاجئ سوري، في وقت تتقلص فيه المساعدات الدولية شيئا فشيئا. ذكاء السعودية المملكة العربية السعودية تتفهم جيدا ألاعيب القوى الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط وأوروبا، لذا هي أسبق دائما بخطوة من الجميع، فهي من جهة تُدرك أن النهاية الحقيقية لمرحلة ما بعد الحرب الباردة، وبداية التقسيم الدولي الجديد تتمثل في حسم مشكلة أوكرانيا أولا بين روسيا والغرب، ولابد من مخرج يرضي جميع الأطراف الدولية، وحتى نتفهم خطورة أزمة أوكرانيا بالنسبة لروسيا والغرب أوروبا وأميركا، علينا بمراجعة المقولة الشهيرة لمنظر وقائد الصقور الاستراتيجيين في الولاياتالمتحدة "زبيجنيو بريجنسكي" الذي كتب عام 1997 "لن تتحقق إمبراطورية أوراسيا دون روسياوأوكرانيا معا"، وبالتالي لابد من مخرج لروسيا على البحر المتوسط وليكن القاعدة البحرية الروسية على ميناء طرطوس في سورية. وكأن حسم مشكلة أوكرانيا بين روسيا والغرب لابد أن تبدأ من الشرق الأوسط أولا، أو بالأحرى عقب ترتيب السيطرة المشتركة على الشرق الأوسط ما بين المملكة العربية السعودية وتركيا وإيران، وتستطيع أن ترتب تدافع الأحداث وتنازع القوى الدولية والإقليمية في العراق وسورية واليمن، باستثناء ليبيا موقتا وفقا لهذا السيناريو. السعودية أثبتت بالدليل أنها أذكى سياسيا من القوى الإقليمية الأخرى، وأكثر مرونة دبلوماسية في تعاملها مع مشكلة بقاء بشار الأسد أو رحيله، وهذا ظهر جليا في الزيارات المكوكية للقادة السعوديين بين روسياوالولاياتالمتحدة، وأسفرت عن تفاهمات لرأب الخلاف بين القوى الكبرى وتقريب وجهات النظر حول الأهداف الكبرى وهي: الأولوية الآن هي داعش وليس بقاء الأسد أو رحيله، أو قل مواجهة الإرهاب الذي يهدد العالم كما أشار تشوركين، وهو محور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدةبنيويورك في سبتمبر الجاري 2015. دور رئيس للمملكة • إعادة ترتيب العلاقات الدولية عن طريق تفاهمات بين اللاعبين الرئيسيين في العالم: روسيا وأوروبا وأميركا وإيران وتركيا والمملكة العربية السعودية. • المملكة لعبت دورا محوريا في حسم عدد من الملفات الشائكة منذ عاصفة الحزم في اليمن مرورا بزيارة ولي ولي العهد لروسيا، ثم الزيارة التاريخية لخادم الحرمين للولايات المتحدة. • التوافق السعودي – الروسي الجديد أعطي دفعة قوية لحسم الخلاف الروسي - الغربي، وإيجاد حل "إنساني سريع" لأزمة اللاجئين السوريين. • الزيارات المكوكية للقادة السعوديين بين روسياوالولاياتالمتحدة أسفرت عن: - تفاهمات لرأب الخلاف بين القوى الكبرى. - تقريب وجهات النظر حول الأهداف الرئيسية. - الأولوية الآن هي حرب تنظيم داعش. - مواجهة الإرهاب الذي يهدد العالم.