في مجموعتها القصصية "مجرور بالحسرة" تلخص كاتبة يمنية عدة مشاعر في بضع كلمات تخلص الحالة الإنسانية من الزوائد وتبقي على معان تتمتع بالحيوية والسخرية في كثير من الأحيان. فقصة عنوانها "جراح" لا تضم إلا ست كلمات هي "قلبها الممتلئ بالثقوب لا يحتفظ بحبيب يذكر" وهذه القصة نموذج لما أصبح يطلق عليه في الآونة الأخيرة "القصة الومضة" التي يعكف عليها عدد من الكتاب العرب متحدين سطوة الرواية بعد أن تصدرت المشهد الإبداع العربي.. نشرا وجوائز واهتماما من النقاد والإعلام. واجتذبت "القصة الومضة" كثيرين وإن لم تحظ إلى الآن بدراسات نقدية تفصل بين الومضة العابرة الأقرب إلى الحكمة وبين الصورة القصصية الفنية التي تمنح السطور القليلة حياة لا تنتهي بالقراءة الأولى. والمؤلفة هي أسماء المصري التي درست الأدب الفرنسي وتتولى منصب نائب رئيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين "فرع ذمار" ولها ثلاث مجموعات قصصية ونالت عدة جوائز في مسابقات للقصة القصيرة في اليمن وخارجه. ومجموعة "مجرور بالحسرة" التي تسميها المؤلفة "نصوص قصيرة جدا" صدرت في صنعاء وتقع في 58 صفحة صغير القطع. ولا تغيب جوانب من مشهد الاحتجاجات الأخيرة في اليمن عن اهتمام الكاتبة ولكنها تتفادى الوقوع في المباشرة والتقريرية فتكتفي في قصة (تشكيل) بهذه المفارقة.. وتقول سطور القصة "حين رُفعت الثورة وقف مشدودا أمام الشاشة يشاهده الذي على الشاشة يبادله ذات النظرات الساكنة. الأول مرفوع بالضمة.. الثاني مجرور بالحسرة!" ربما في إشارة إلى مصير الاحتجاجات في اليمن وغيره من دول العالم العربي بعد أن خيبت آمال كثيرين ممن دعوا إليها وشاركوا فيها. وتسفر العلاقات الإنسانية عن نفسها عبر الاستعارة الفنية كما في قصة (وردة) التي تقول كلماتها "كلما رأت إحداهن تُقطف بسهولة.. تلقى جانبا.. تسحق بعد استفراغ عبيرها.. أنبتت أشواكا أطول واستعدت لكي تبقى". وتميل أغلب قصص المجموعة إلى السخرية التي تثير أحيانا "ضحكا كالبكا" على حد وصف أبي الطيب المتنبي. ففي قصة (مغترب) تقول "غادرها عروسا قبل أربع سنوات. ظل يبعث إليها بأحدث الجوالات ليطمئنها بقرب عودته وتخفف عنها ألم فراقه.كل ليلة تنام محتضنة جوالاته الثمينة.. واثني عشر ألف صديق!" إلا أن بعض القصص لا تنجو من الكتابة المباشرة ربما بحكم وطأة الواقع ومن هذه القصص (تضاؤل) التي تقول كلماتها "مذ علمنا ترتيبنا بين الأمم صرنا نمشي في حذر.. كي لا يدوسنا النمل وهم لا يشعرون".