لم تخلع الكاتبة السورية لينا هويان الحسن ثوبها البدوي، وهي تتجه للمهجر لتكتب روايتها الأخيرة "ألماس ونساء"، ومن قبلها "نازك خانم"، بل كانت وفية للصحراء التي أنجبتها، وتعلمت منها الأصالة، وغرفت منها أجمل القصص واللوحات المعبرة، وسكبتها في عدد من الروايات التي أطلت منها على الساحة الأدبية روائية وكاتبة متميزة، بعد أن أيقنت أن الصحافة وحدها لا تكفي كي تحتوي موهبتها الأدبية. لينا التي وجدت نفسها تمضي بعيدا في الأدب، كتبت القصة والرواية والشعر، ومارست التوثيق التاريخي عبر كتاباتها، فتحت قلبها ل"الوطن" ووضعت عصارة تجربتها بين يديكم.. فإلى التفاصيل. روايتك "ألماس ونساء" هل تعتقدين أنها كان تستحق أن تمضي إلى أبعد من القائمة القصيرة لجائزة البوكر في نسختها الأخيرة؟ "ألماس ونساء" تستحق أن تُقرأ، وأعتقد أن البوكر منحتها الضوء اللازم لذلك.. أجمل شيء يمكن أن يحظى به كتاب هو أن يُقرأ، روايتي "بنات نعش" طبعت للمرة لأولى في 2005 وهي الآن بالسوق وتطبع طبعات جديدة وتُقرأ. الكاتب يصمد بفضل نصه وجهده. الحظ قد يمنحك شهرة تدوم بضعة أشهر، بينما جهدك يمنحك الحق أن تكون جبلا راسخا. كثيرون ينتقدون الجوائز الأدبية ويتهمونها بالتحيز وربما التسييس، ما صحة هذا الكلام؟ القائمون على الجوائز بشر، وبالتالي ستخضع النتائج للطبائع البشرية كالذائقة مثلا. وبالنسبة للتسييس هو أمر واقع، وقليل من الجوائز تنجو منه، لكن الأكيد بشأن جائزة البوكر أنها تشجع الأدب الذي يتبنى منطق الحرية، حرية الكتابة، وهذا سر انتشار روايات البوكر بين القراء، هنالك جوائز عربية أخرى تحمل أرقاما نقدية عالية مقارنة مع القيمة المادية للبوكر، لكنها جوائز تشجع النص المحافظ الذي لا يتعارض مع قيم المجتمع، وهذا يتناقض مع منطق الأدب، فالأديب مهمته نقد المجتمعات والسلطات. هل ترين أن الجوائز والشهرة تمنحان الرواية مكانتها المرموقة والاهتمام..أم أن الرواية كوعاء تتسع لكل التفاصيل التي يبحث عنها القارئ الشغوف وتستقطب اهتمامه؟ الجوائز والشهرة أحيانا تأتيان بالحظ، وبالوقت نفسه هذا الأمر امتحان حقيقي لصمود الكاتب، ككاتب مشهور وحاضر ومقروء، أجمل خبر أحب أن أسمعه دائما هو عن نفاد طبعات كتبي، أحتفل بحق لدى صدور طبعات جديدة من كتبي، لأن هذا دليل ملموس على حضوري الأدبي، بينما الجوائز عالم يخوض غماره المحظوظون. هل نجحت الرواية العربية لدى قارئها أولاً؟ وهل لديها صدى لدى القارئ الغربي؟ وهل ابتعادها عن العمق الإنساني يجعلها أسيرة النطاق الذي تدور به؟ لا أعتقد أن الرواية العربية ابتعدت عن العمق الإنساني، هنالك جهد كبير بذله أدباء كبار سبقونا مثل عبدالرحمن منيف ونجيب محفوظ، والجيل الجديد يكتب في أصعب الظروف، هنالك مشكلة مع الترجمة، وهذا أمر لا يمكن أن تنجزه إلا مؤسسات ضخمة وغير مسيّسة. متى إذا يضاهي أدبنا نظيره اللاتيني والأوروبي؟ هنا دور الجوائز، والمؤسسات الكبرى التي لا تخضع للأمزجة السياسية، وهذا أمر صعب جدا في ظرفنا الحالي. هل فكرت بالعالمية أم أنك ترين أنها بعيدة المنال؟ لا شيء بعيد المنال، كل شيء ممكن، والأدب بحد ذاته حلم لا حدود له. بالعودة إلى نتاجك، إلى أي مدى استفدت من بيئتك الصحراوية، ومن التراث والتاريخ في نسج رواياتك، وهل سيبقى الروائي العربي أسير الماضي لينهل منه، أم أن عليه الانطلاق إلى عوالم أوسع؟ أجمل ما في الأدب سعته، ومجرد أنك أديب إذن أنت تقف ضمن خارطة شاسعة من الكلمات التي تقول شيئا وتفعل شيئا. أيضاً لا قوانين تحكم النص، يمكنك أن تختار التاريخ كمنصة لانطلاق خيول الخيال صوب الحاضر والمستقبل. النص التاريخي ليس نصا بريئا بالمطلق، لأن الأديب يقصد دائما أن يقول شيئا لحاضره، ويريد أن يمرر نبوءة ما لمستقبله. أما الصحراء فشكلت بالنسبة لي النقطة الواضحة المعالم، بحيث أضمن أن أكتب نصا مقنعا وحقيقيا، فالقارئ يكشف التزييف، أردت أن أكون "أنا" في نصوصي الأولى لأتمكن من عبور التخوم الصعبة صوب تضاريس أخرى غير الصحراء. من البادية حيث "بنات نعش" و"سلطانات الرمال" وغيرها إلى حيث "نازك خانم" و"ألماس ونساء" ما الذي دفع لينا إلى هذا التغير، وإلى أين تريد أن تصل؟ الأدب بحد ذاته، تغيير. والكتابة كما عبر يوما أرنستو ساياتو "امتداد أفقي من جهة، وامتداد عمودي من جهة أخرى"، الأفق.. يعني التواصل والمسار الذي يختطه الكاتب بعيدا عن خطوط من سبقوه، العمودي.. يعني ما اكتسب من خبرات سواه والتجارب التي شكلته وجعلته ينظر إلى الحياة بعيني بصيرته، لا بعيون سواه. إذن، أين يجب أن يقف المثقف العربي حيال ما يدور حوله من تغيرات، وهل عليه أن يقوم دائما بنبش التاريخ لاستنباط رواياته، أم عليه التفاعل مع الحاضر والكتابة للمستقبل دون تحيز؟ ما أصعب أن نكتب دون تحيز ودون مآرب شخصية، صدقني لو أني استطعت كتابة هذا النص بشأن ما يحدث بسورية لكتبته حالا، لكن ألا توافقني الرأي أن هناك كثيرا من النصوص التي كُتبت عن الموت السوري، كُتبت بلغة الدجل الذي يُراد من ورائه شهرة أو لجوءا سياسيا إلى دولة ما؟! هنالك كتاب كتبوا عن السجون دون أن يدخلوها، بينما الذين قضوا بالسجون سنوات طويلة صمتوا؟ أيضا ألا تعتقد أننا عندما نكتب عن التاريخ يمكننا أن نُذلّ الحاضر؟! أليس هذا الذكاء الأدبي ضرورة قصوى لحاضر يريد أن يجرنا إلى الخلف ويغرقنا بالعتمة؟! تطرقت للحديث عن الموت السوري، ما هو تأثير الأحداث وما يجري في سورية على المشهد الأدبي والروائي بشكل خاص، وهل حد من انتشار الروائي السوري، وهل تحمل الأدب مسؤوليته بنقل ما يجري في بلده؟ الأدب مسؤولية، وهو أيضا حمولة ثقيلة من الحزن والرؤى والتراجيديا.. الكاتب الحقيقي أمامه خيار واحد، أن يعمق الواقع، دون أن يقع في مطب أن يشبه الصورة الفوتوجرافية، يكفينا أن نشاهد نشرة إخبارية واحدة عن الموت السوري حتى تعجز اللغة حقا عن مجاراة الصورة، وهذا التحدي الحقيقي، كيف نتجاوز الصورة؟ نحن في عصر السرعة والتقنيات الحديثة التي تتطلب نمط أدب سريع كالومضة والقصة القصيرة جدا التي تتيح للقارئ مطالعتها بسرعة أيضا.. هل يمكن لهذه الأجناس الأدبية أن تنافس الرواية؟ كل جنس أدبي يُكتب بقلم حقيقي وموهوب ومجتهد سينافس، سيعثر على مكانه مهما كان جنسه.. شخصيا فضلت الرواية لأنها جنس أدبي مفترس بحيث يمكنك في الرواية أن تدسّ الشعر والنثر، ومن مجموعة قصص قصيرة تشكل رواية. مع هذا التقارب وسهولة الانتشار، كيف ترين الرواية السعودية وآفاق تطورها، وكيف يمكنها أن تنتشر على مستوى أكبر؟ الرواية السعودية حضرت بقوة خلال السنوات الأخيرة، هناك قارئ سعودي، وبالتالي سيكون هناك أديب سعودي. معرض الرياض للكتاب يعد المعرض الأكثر بيعا للكتب مقارنة بمعارض أخرى لعواصم عربية أخرى. عندما يُقرأ الأدب فإنه ينتشر. ومن هي الأقلام الروائية السعودية التي لفتت انتباهك، وهل ترين أنها تلامس واقعها وتتحدث عنه؟ أخيرا قرأت لبدرية البشر، وزينب حفني، ويحيى امقاسم، وعبده خال، ورجاء عالم، الأدب السعودي بدأ يعلن عن حضوره بقوة.