أوضح رئيس لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية البوكر الناقد الدكتور جلال أمين أنه اكتشف خلال تقييمه للروايات المشاركة في دورة الجائزة هذا العام أن العدد الأكبر من الروايات لا يستحق عناء إكمال القراءة، ولفت أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأمريكيةبالقاهرة إلى أن مجلس أمناء الجائزة وضع أمام أعضاء لجنة التحكيم بعض القواعد التي يصعب تصنيفها كمعايير للتقييم، وأعرب أمين عن استغرابه إثارة مسألة الشفافية في نطاق عمل اللجنة، مشيرا إلى أنه ليس بالإمكان الاتفاق العام على جودة عمل روائي أو أدبي من جانب كل الأفراد، «عكاظ» أماطت اللثام مع أمين عن واقع التحكيم في جائزة البوكر التي سيتم إعلان الفائزين بها هذا العام يوم الأربعاء المقبل في أبو ظبي.. وإليكم نص الحوار: من واقع رئاستك للجنة تحكيم جائزة البوكر هذا العام، كيف يجري اختيار أعضاء لجنة التحكيم؟ وما المعايير المحددة لهوية المشاركين فيها؟ مجلس أمناء جائزة البوكر هو الجهة التي اختارت أعضاء لجنة تحكيم الجائزة، ولا أعرف طبيعة المعايير التي استند إليها أعضاء المجلس في اختيار المشاركين في اللجنة، وبالنسبة لما جرى معي، فقد تلقيت عرضا من المجلس لرئاسة لجنة التحكيم، وقبلت، فالواضح أن قرار الاختيار يتخذه أعضاء مجلس الأمناء الذي تقتصر معرفتي بهم على الروائية أهداف سويف والدكتور رشيد العناني. عناء القراءة هل لا بد أن يقرأ أعضاء لجنة التحكيم كافة الروايات المشاركة في المسابقة، والتي تتجاوز المائة في كل دورة؟ تلقى كل عضو من أعضاء لجنة تحكيم جائزة الرواية العربية البوكر هذا العام 133 رواية متفاوتة الحجم، وطلب منا كأعضاء اختيار أفضل 16 رواية للترشح للقائمة الطويلة للجائزة، ولم تصدر إلينا أي تعليمات تزيد على ذلك، لكن التصرف المفترض أن تقرأ الروايات كلها، وقد تلقينا الأعمال الروائية ابتداء من شهر يونيو 2012م، وعقدنا أول اجتماع لاختيار الروايات المرشحة للقائمة الطويلة في شهر يناير 2013م. إن قراءة 133 رواية في هذه المدة القصيرة عمل صعب للغاية بطبيعة الحال، ولكنني اكتشفت أن العدد الأكبر من الروايات لا يستحق عناء إكمال القراءة بمجرد قراءتي لجزء صغير من كل رواية، وهذا خفف عنا عبء قراءة كل الأعمال المقدمة، فالكثيرون يعتقدون أنهم أدباء وهم ليسوا كذلك، ولقد اتضح لي أن نسبة كبيرة من كتاب 133 رواية لا يتمتعون بأي موهبة وتقديرى أن هذه النسبة تبلغ أكثر من النصف. ما معايير لجنة التحكيم في تقييم الأعمال الروائية؟ عندما التقينا كأعضاء لجنة التحكيم لم نتساءل عن ماهية المعايير التي توجب علينا تطبيقها، فقضية قراءة الرواية محكومة باحتمالين، إما أن تتعاطف مع الرواية أو لا تتعاطف معها دون تقيد بتقاليد محددة، وبناء على ذلك لا تبدأ عملية تقييم الرواية بتحديد معايير يلتزم بتطبيقها، بل يبني التقييم على التعاطف معها. وماذا تقصد بالتعاطف؟ أقصد بالتعاطف الإعجاب، وأحصره في هذا النطاق الواضح، فمعنى أنني أتعاطف مع الرواية هو أنني أعجبت بها ووجدتها مؤهلة للفوز، سواء في القائمة الطويلة أو القصيرة. وفي هذا الصدد أنوه إلى أن مجلس الأمناء وضع أمامنا بعض القواعد والارشادات التي لا نستطيع أن نعتبرها معايير، ومن تلك القواعد عدم الالتفات في تقييم الرواية بفوز أوعدم فوز صاحبها في دورات سابقة، أو الدولة التي ينتمي إليها، وكذلك عدم الاهتمام بجنس صاحب العمل إن كان رجلا أو امرأة. كشف بعض المحكمين في دورات سابقة أن تقييمهم لجودة الرواية يكون من خلال التصفح العشوائي، فما نوع القراءة المعتمدة من قبل الجائزة للروايات؟ وهل تختلف القراءة تبعا لمراحل المسابقة؟ القراءة المعتمدة من قبل أعضاء لجنة تحكيم الجائزة هي القراءة التي ترضي ضمائرهم، وهذه القراءة لا تختلف من مرحلة إلى أخرى، وإذا تكرر ترشيح بعض الروايات من القائمة الطويلة إلى القائمة القصيرة، فليست هناك حاجة إلى إعادة قراءتها مرة أخرى، وبخاصة إذا كان العضو المحكم يحتفظ بملاحظاته عن الرواية في هوامش الصفحات، وأستغرب مسلك هؤلاء الزملاء الذين كشفوا كما ذكرت عن أن قرارهم في ترشيح الروايات كان عشوائيا. الشفافية البعض يعيب غياب الشفافية عن أسلوب عمل لجنة التحكيم في بيان اختيار واستبعاد الروايات، فإلى أي مدى تلتزم اللجنة بمعايير النقد الأدبي في الاختيار والاستبعاد؟ حقيقة، أستغرب إثارة مسألة الشفافية تلك في نطاق عملنا، إذ كيف يمكن أن نوفر معلومات تكشف عن أسباب تقييماتنا للروايات قبل إعلان الأعمال التي يتفق على جودتها، سواء بالنسبة للقائمة الطويلة أو القصيرة أو الرواية الفائزة بالجائزة هذا العام، ورغم ذلك عندما أعلنت الروايات الفائزة بالقائمة القصيرة في تونس، انبرى أعضاء لجنة التحكيم في الإجابة عن كل الاستفسارات والأسئلة التي وجهت إليهم حول الأعمال الفائزة والمشاركة أيضا، وهذا وفر الحدود الكافية والمطلوبة من الشفافية حول طبيعة عمل لجنة التحكيم. وبالنسبة لمعايير النقد الأدبي، هناك التزام كافٍ بها، لكن أحب التأكيد على أن معايير النقد الأدبي ليست معايير قاطعة، يتفق عليها كل إنسان، وليست واضحة تمام الوضوح في أذهان الجميع أيضا؛ لأن فيها عنصرا ذاتيا من الصعب ضبطه لدى كل الأفراد عند نفس الدرجة من التطابق، وما يحدث هو أن كل عضو منا يتعاطف مع إحدى الروايات، لكنه يقول في الوقت نفسه أنه يلتزم بمعايير النقد الأدبي، وحقيقة الاختلاف في تقييم الرواية الواحدة من عضو إلى آخر نابع من أن كل واحد منهم يعطي أهمية نسبية لعنصر ما في تكوين العمل على حساب عنصر آخر، وهكذا بالنسبة لبقية الأعضاء. لماذا تتجاهل الجائزة الروايات المستبعدة من المسابقة؟ وما الطريقة التي تراها في التعامل اللائق مع هذه الروايات؟ وماذا نصنع مع الروايات التي اعتبرت في نظرنا غير جديرة بالفوز، المصير الطبيعي لهذه الأعمال هو استبعادها وعدم الاهتمام بها، مثلها في ذلك مثل الطلبة الراسبين، وليس لدي أي طريقة أو مقترح للتعامل معها. كرئيس للجنة التحكيم، هل ترى أن تقديم نبذة مختصرة عن كل رواية مختارة لأي من القائمتين كافٍ لتوضيح أسباب وصولها لهذه المرحلة؟ ولماذا لا يكون هناك نقد ملائم يبرز جوانب التميز في العمل؟ في اعتقادي أن هذه النبذة كافية إلى حد كبير، وفي المؤتمر الصحفي الذي عقدته لجنة التحكيم في تونس، في أعقاب إعلان أسماء الروايات المدرجة في القائمة القصيرة، قدم كل عضو من أعضاء اللجنة شرحا مسهبا ومستفيضا عن رواية أو أكثر من الروايات الفائزة وهذا كافٍ، وقد لا يغني ذلك عن النقد، لكن حتى لو كتبت أعمال نقدية كاملة عن كل رواية من الروايات الفائزة، فلن يمنع ذلك من إثارة الجدل والخلاف حولها، وبخاصة من جانب الأشخاص الذين لم يحالفهم الفوز، ولن يكون هناك اتفاق عام على جودة عمل روائي أو أدبي من جانب كل الأفراد، ونحن لا نعتني بكتابة نقد لازم بكل رواية؛ لأننا نتوقع أن نقاد الأدب سيقومون بهذا الدور فيما بعد عقب إعلان فوز الروايات، وسيوضحون إذا كانت تستحق الفوز أم لا. تصويت الأعضاء ما أبرز الصعوبات التي واجهت لجنة التحكيم في استخلاص الأعمال الفائزة بالقائمة الطويلة والقصيرة لهذه الدورة؟ أصارحك القول إنني اكتشفت أن المهمة أسهل بكثير مما كنت أظن، والسبب أن الخلافات التي حدثت بين أعضاء لجنة التحكيم كانت أقل مما توقعت بمستوى لافت. هلا حدثتنا عن بعض هذه الخلافات؟ حدثت خلافات بين الأعضاء حول جدراة بعض الروايات التي لم تدرج في القائمة الطويلة، وكان من المفترض إدراجها بحسب وجهات نظر المتحمسين لها، وتكررت الخلافات ذاتها أثناء ترشيح الأعضاء لروايات القائمة القصيرة، وألفت الانتباه إلى أن اختيار أو استبعاد الروايات كان خاضعا لتصويت الأعضاء دون انفراد لأحد بالقرار، وهذا ما جعلني مسرورا بنتيجة اجتماعي اللجنة، ولا أكتم سرا إذا قلت لك أنني تحمست لدخول بعض الروايات إلى القائمتين الطويلة والقصيرة، لكنها لم تحظ بالتصويت الذي يكفل لها ذلك، رغم ذلك لا أنفي حماسي للعدد الأكبر من روايات القائمة القصيرة، وما أؤكده أن اختيار الأعمال الفائزة لا يأتي نتيجة احتكار عضو بعينه، بل هو خاضع لتصويت غالبية الأعضاء. هل للشهرة دور في انتزاع الجائزة؟ بالقطع لا، وهذا ما أغضب البعض، ولا سيما عدد من المبدعين المشهورين الذين تسنى لبعضهم الحصول على جوائز هامة على أعمالهم من جهات أخرى، ولم تحظ رواياتهم حتى بالدخول إلى القائمة الطويلة، أو البعض الآخر من المبدعين الذين رشحت رواياتهم للقائمة الطويلة واستبعدت بعد ذلك من القائمة القصيرة؛ لأنها كانت أقل جودة في تقدير أعضاء لجنة التحكيم من الروايات الفائزة. كطرف محايد، ما تقييمك لالتزام الجائزة بالهدف الذي أنشئت من أجله في دعم مسيرة الرواية العربية، وخصوصا أن هناك من اعتبرها جائزة للروائي لا للرواية؟ أؤمن تماما أن الجائزة تدعم مسيرة الرواية العربية، وليس هناك من شك في ذلك، وأؤكد من خلال تجربتي أنها تلتزم بتحقيق هدفها في هذا المسار ولم تحد عنه، وتجليات ذلك لا تحتاج إلى برهان، فمنح الجائزة للرواية الأكثر جودة من الناحية الإبداعية يترتب عليه تشجيع الأعمال الإبداعية الجيدة، ما يعمل على انتشارها وتداولها على نطاق واسع على صعيد التلقي والقراءة، ويؤدي في الوقت ذاته إلى تنشيط حركة النشر، وتشجيع الموهوبين على الكتابة والإبداع وإبراز أعمالهم. وماذا تقول فيما أشار إليه البعض من أن الجائزة تندرج فيما بات يعرف بمراكز الهيمنة الثقافية، وما تقديرك لحياد الجائزة؟، وإلى أي مدى يوفر إطارها العلمي والمؤسسي الحالي البيئة التنافسية المطلوبة بين الروائيين؟ القول بأن الجائزة تندرج في إطار ما يطلق عليه بمراكز الهيمنة الثقافية يصدر عن أناس غاضبين وغير محايدين، وأؤكد أن الجهة المنظمة للجائزة لم تتدخل في عمل لجنة التحكيم، ولم تؤثر في قرارات أعضاء اللجنة الذين التزموا بالحياد التام، ولم يتحيزوا ضد أي رواية أو مؤلف أو دولة أوجنس أو ديانة المشاركين. وأعتقد أن الإطار المؤسسي الحالي للجائزة يوفر الشروط التنافسية المطلوبة بين الروائيين، ولم أشعر من خلال تجربتي في دورة هذا العام أن هناك قصورا في هذا الجانب، وأؤكد اطمئناني الكامل إلى توفر حرية المنافسة بين المشاركين. النقاد والأدباء بالنظر إلى ما ذكره البعض من أن السلطة التي اكتسبتها جائزة البوكر للرواية العربية مصدرها قوة الإعلام، ما تقييمك لمكانة الجائزة وتأثيرها؟ لا أعتقد بصحة هذه المقولة بالنسبة لجائزة البوكر؛ لأن الإعلام بات يؤثر في كل شيء، وما دام اختيار الرواية الفائزة بالجائزة جرى على أسس صحيحة، فالإعلام يمارس تأثيره هنا في إطار دوره الطبيعي، ولا يفرض أي أهمية ليست من صفة العمل الفائز أو النتيجة التي توصلت إليها لجنة التحكيم، فتأثير الإعلام يترتب على الاختيار، وإذا كان هذا الاختيار ظالما وغير منصف يصبح تأثير الإعلام سيئا وضارا؛ لأنه سيثير اهتمامات القراء بأعمال غير جيدة وضعيفة القيمة، لكن إذا كان الإعلام يثير اهتمامات القراء بأعمال جيدة فما الضرر؟ إن الإعلام يلعب دوره هنا، كما يلعبه بالنسبة للأحداث السياسية والاقتصادية والرياضية وغيرها. ذكرت أن النقاد أفضل من الأدباء في تولي مهمة تقييم الأعمال الروائية، فما مسوغات تعيينك رئيسا للجنة تحكيم هذه الدورة وأنت أستاذ للاقتصاد؟ ولماذا قبلت والمجال بعيد عن حقل تخصصك وربما اهتماماتك أيضا؟ ذكرت تلك المقولة بالفعل خلال مداخلتي في مؤتمر تونس، لكنها تحتاج الآن إلى إعادة ضبط، ما قصدته أن بعض الأدباء نقاد جيدون، ولكن لا يعد كل أديب بالضرورة ناقدا جيدا، فهناك من يستطيع الإبداع ولا يكون في وسعه ممارسة نفس المقدرة في مجال النقد، أما نقاد الأدب فيستطيعون بالنظر إلى إجادتهم لأدوات النقد أن يكونوا محكمين جيدين في اختيار الرواية أفضل من الأديب، ولا يعني ذلك أن كل النقاد لديهم القدرة على النقد الصحيح، فالأديب بطبعه يميل إلى الجنس الأدبي الذي يبدع فيه، سواء أكان شعرا أو رواية أو مسرحية.. أو غير ذلك، بينما الناقد الأدبي إذا كان حاذقا لأدواته مجيدا لمتطلبات ممارسة النقد يتوفر لديه استعداد جيد دائما لتقييم الأجناس المختلفة من الأدب، وهذا ما يجعل الناقد أفضل من الأديب. أما بالنسبة لاختياري لرئاسة لجنة تحكيم جائزة البوكر للرواية العربية هذا العام، أصارحك أنني استغربت لكنني فرحت، أعترف في نفس الوقت أنني أحب الأدب غير أنني لم أمارسه، بل ألفت في أنواع ربما تكون قريبة منه وهي السيرة الذاتية، حيث ألفت كتابين في السيرة الذاتية، وهذا النوع لا أستطيع أن أضمه إلى الأدب، فليست كل السير الذاتية يمكن اعتبارها أدبا، وكذلك هناك كتب أخرى مثل «شخصيات لها تاريخ» و«شخصيات مصرية فذة»، وكتبت في نقد الأدب مرارا، حيث كتبت عن سلوى بكر وكل روايات علاء الأسواني وبهاء طاهر، وبناء على كتاباتي تلك أظن أن مجلس الأمناء اختارني لرئاسة لجنة تحكيم الجائزة، فإما أن يكون أعضاء المجلس قد أعجبوا بكتاباتي النقدية أو بالأعمال القريبة من الأدب التي ذكرت بعضها، أو أنهم رأوني محايدا وعادلا. ولقد قبلت الاضطلاع بمهمة رئاسة اللجنة؛ لأنني قادر على تقييم الأعمال الأدبية، وكوني اقتصاديا ليس له أهمية كبيرة في هذا الصدد ما دمت قادرا على التقييم، ويحضرني الآن مثال أضربه لك وهو جون ماينور كينز الذي يعد أشهر اقتصادي بريطاني في القرن العشرين، حيث كان الأدباء الإنجليز في عصره لا ينشرون رواية إلا إذا قرأها، ومن هؤلاء الأدباء فرجينيا ولف التي تعد من أفضل الأدباء البريطانيين في النصف الأول من القرن العشرين. ما توقعاتك لمستقبل الجائزة في ضوء المدح والقدح الموجه لها؟ كل الجوائز المماثلة تتعرض للانتقادات حتى جائزة البوكر الأصلية لا تكون بمنأى عن النقد، والسبب أن معايير اختيار وتقييم الأعمال الروائية ليست مقدسة، وليس هناك اتفاق عام عليها، وأتوقع أن تستمر الجائزة وتواصل مسيرتها ولا سيما أنها أصبحت تستحوذ على تقدير عام لأثرها على نهضة الرواية العربية، سواء بالنسبة للمبدعين أو القراء أو الناشرين، ولا يلوح في الأفق أي دليل يشير إلى أنها من الممكن أن تتوقف.