يذهب الكثيرون من النقاد إلى أن الشعر قد خبا أثره وتقهقر دوره في التأثير على الناس، بفعل سيادة صنوف الآداب الأخرى، خاصة الرواية، وكذا آليات التواصل الاجتماعي التي لا يحظى فيها الشعر بنصيب وافر. لكن الحقيقة في رأيي أن الشعر الجيد، النابض من الشعور الصادق، والمعبر عن الحس الجمعي تجاه المواقف الكبرى في حياة الشعوب، يؤدي دوره بجدارة في نصرة قضايا أمته، وتحفيز الهمم للاصطفاف من أجل تحقيق أهدافها. ومن النماذج التطبيقية المثلى في هذا المجال، يطالعنا أمير الشعر خالد الفيصل - منذ بواكير شعره - بقصائده الوطنية التي لم تتوان عن الإدلاء بدلوها في كل مناسبة، وكان لها التأثير البين في الضمير الجمعي، ونيلها الاستحسان من الذائقة العامة. وها هو اليوم يواكب "عاصفة الحزم" ب"عاصفة الشعر" التي بدأها بقصيدته العصماء "الحزم" المنشورة في هذه الصحيفة، مع انطلاقة صقور الجو السعوديين في مهمتهم التاريخية لنصرة إخوتهم اليمنيين، من تغول الحوثيين وأنصار الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، وانقلابهم الغاشم على شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي، بهدف تسليم (وطنهم) إلى النفوذ الفارسي المتغلغل والمتربص بالمنطقة العربية في أكثر من وطن. وقد استهل الشاعر قصيدته بتحذير هؤلاء وهؤلاء من الغضبة السعودية، بعد طول حلمها وصبرها على تماديهم في غيهم وضلالهم لعلهم يرعوون: جرّب الغضبات يا جاهل زعلنا تحسب ان الحلم ضعفٍ يالحبنّى ومن الطريف أن البعض راح يفتش عن دلالة (الحبني) التي استحضرها الشاعر من دائرته المعرفية الواسعة، حتى أدركوا أنها تلك الحشرة التافهة التي عبر الشاعر بها عن منتهى التحقير لهؤلاء الانقلابيين الخونة! وقد لخص الأمير هدف العاصفة فقال: ويوم صاح الجار قمنا واستجبنا والسعودي بالمواقف ما يمنّى فدحض بذلك كل زعم يخرج بالعاصفة عن نصرة الجار التي هي مبدأ إسلامي أصيل، ثم انتقل إلى وصف حالة الحشد السعودي، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله بنصره - وكذا معركة الصقور الشجعان ضد الانقلابيين: أَحتزمَ سلمان بالحزم وحزمنا وهدّت صقور تسابق يذبحنى وفي ثانية قصائده العصماء، المنشورة الثلاثاء الماضي في هذه الصحيفة، وغيرها من صحف المملكة، والمهداة إلى "الصقر السعودي" كان مستهلها: منى على الصقر السعودى سلاما اللى قَنَص جو المعادين صيّاد صِدتَ الفخر واعداك صادوا هياما يوم ادبروا بين الجبل واسفل الواد وما أروع المشهد المقارن بين من صاد الفخر بالشجاعة والعزم والحسم، وبين هؤلاء الذين ردعهم القصف فهاموا على وجوهم، تجر أذيالهم الخيبة والفشيلة، يفتشون عن جحور تحميهم من غضبة الصقور. ويواصل الشاعر مسجلا شهادة للتاريخ، تؤكد أن السعودية لا تصدر في قرارها إلا من ذاتها، وأنه ليس لأحد عليها سيادة أو أمر أو نهي: كتبتوا التاريخ حرب وسلاما إن السعودي سيّدٍ ماله اسياد ثم ينثني إلى أبطالنا في حرس الحدود يصف بلاءهم الشامخ في حماية الوطن: ما يكسب الطولات غير النّشاما مثل الذى قاموا على الحد بزناد ويختم قصيدته الرائعة بنداء إلى أولئك الغاوين الذين يعملون لحساب عدونا المشترك، محذرا إياهم من انقيادهم هذا عارضا عليهم الفرصة الأخيرة للنجاة: حطوا يديكم في يدينا احتراما واستبشروا خيرٍ على روس الاشهاد شكراً أميرنا الهمام الشاعر الفحل الذي أجلى الحقائق لكل ذي بصيرة، وشحذ الهمم لهذه المهمة التاريخية، وغداً - إن شاء الله - ينجلي غبار المعركة عن النصر المبين، للمغاوير الذين رهنوا حياتهم للفداء، ويعود اليمن سعيدا من جديد، ليكتب الفيصل لنا قصيدة يخلدها التاريخ في أنصع صفحاته، عن هذه المهمة العظيمة. التي قادتها السعودية لحماية اليمن - والمنطقة - من المطامع الفارسية التي تحلم بإعادة التاريخ قسرا إلى ما كان عليه "كسرى"، وإنهم جد لواهمون.