سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
نبيل دو فريج ل"الوطن": طهران أرغمت "نصر الله" على التدخل في سورية الوزير اللبناني يؤكد أن مؤسسات "حزب الله" تكرس للدولة الموازية * قال إن المملكة سعت لتعزيز التعايش بين طوائف لبنان المختلفة
يبدو أن حزب الله بات يستشعر الخطر المتطرف القادم من سورية والعراق، والمتمثل في المجازر التي يرتكبها تنظيما النصرة وداعش ضد كل من يختلف معهما، مضافا إلى ذلك عدم قدرته على تحمل كلفة الحرب في سورية ضد قوى باتت تصنف بأنها قوية عسكريا ولوجستيا. لذلك سعى أمينه العام حسن نصر الله إلى إيهام الرأي العام بأن ثمة تغييرا في مواقف حزبه، لا سيما حيال تيار المستقبل، حيث دعا رئيسه سعد الحريري إلى الحوار. إلا أن التيار تريث قبل تحديد موقفه النهائي من الحوار مع حزب الله، الذي يختلف معه على مواضيع أساسية، في مقدمتها الإصرار على ترشيح رئيس "تكتل التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، ومشاركته في الحرب الدائرة في سورية، من أجل مساندة نظام بشار الأسد. لكن يرى المحللون أن رغبة حزب الله في الحوار مع تيار المستقبل هدفها الحصول على دعم فريق "سني" قوي أمام الأصوليات "المتوحشة" المتمثلة في "داعش". في هذا الحوار مع "الوطن" يقول وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية عن تيار المستقبل نبيل دو فريج "أتعجب ممن يصفون المجتمع السني ب"التطرف" وهذا خطأ كبير، فالقرآن ضد التطرف. كما أن أساس الدين الإسلامي الاعتدال. لذلك لا تمت جماعات مثل جبهة النصرة وداعش إلى الإسلام بأي صلة. وهي تنظيمات إرهابية ترعب المسلم الحقيقي قبل أي أحد آخر. والدليل ذبح داعش لأبناء القبائل السنية في العراق، مما خلق حالة خوف لدى المسيحيين والسنة والشيعة في لبنان. وبالطبع استدرك حزب الله هذا الأمر، فقرر تغيير موقفه من تيار المستقبل، بعد أن أوهم جمهوره بأن تيار المستقبل يدعو إلى التطرف، وأنه هو الذي افتعل الحرب في مخيم نهر البارد، وأنه اعتدى على الجيش اللبناني في معركة عرسال الأخيرة. لقد قرع نصر الله في عاشوراء جرس الحقيقة من خلال دعوته إلى الحوار مع تيار المستقبل. لذلك يجب وضع خلافاتنا جانبا، حفاظا على الصيغة اللبنانية الفريدة في التعايش. ومن حسن حظنا أن المملكة العربية السعودية من أكبر الداعمين للصيغة اللبنانية، من خلال مساعدتها للجيش اللبناني، الموكل بالدفاع عن لبنان. كما ساعدت لبنان ماليا من خلال إيداع وديعة كبيرة في مصرف لبنان لدعم الليرة اللبنانية والاقتصاد ككل. أيضا أقامت مشاريع في كل لبنان عبر الدولة اللبنانية التي ترمز لهذا التعايش. فإلى نص الحوار: الهبة السعودية وقع قبل أيام قليلة بروتوكول الهبة السعودية للجيش اللبناني ما يعني أنها دخلت في حيز التنفيذ. ما التغيير الذي ستحدثه الهبة السعودية في تموضع الجيش اللبناني عسكريا؟ يرد توقيع بروتوكول الهبة السعودية بين المملكة وفرنسا على من شكك وتمنى عدم حدوثها. وبالنسبة إلينا، كنا على ثقة من جدية الهبة السعودية، التي لم تكن أبدا خبطة إعلامية، بل تصب في دعم المملكة للدولة اللبنانية. وفي عام 1973 أتذكر جيداً عندما كنت مقربا من رئيس الجمهورية آنذاك إلياس سركيس، قدمت المملكة مساعدة للدولة اللبنانية، في الوقت الذي لم يكن هناك سوى دولة شكلية، إلا أن السعودية أصرت على تقديم المساعدات الاقتصادية والمالية من خلال المؤسسات الدستورية اللبنانية، لأنها تعترف فقط ب"لبنان الدولة". كما أن الإنجاز السعودي الأكبر في لبنان هو توقيع اتفاق الطائف، من خلال استدعاء النواب المنتخبين من الشعب للتحاور من أجل إيقاف الحرب الأهلية. من بعدها دعمت الرئيس رفيق الحريري من خلال المؤسسات الشرعية. وها هي تقدم للرئيس سعد الحريري مليار دولار من أجل دعم الجيش اللبناني. يرى البعض أن المملكة تهدف من خلال مساعدة الجيش اللبناني إلى زيادة قوته للوقوف في وجه ميليشيا حزب الله. لماذا هذا التشكيك في قدرة الجيش اللبناني وكأن هذا الفريق لا يريد له أن يكون قويا وقادرا؟ بداية، لا أعتقد أن هدف المنحة السعودية للجيش اللبناني الوقوف في وجه سلاح حزب الله، بل دعم لبنان لتقوية التعايش بين المسلم والمسيحي من خلال نظام قائم على المناصفة. إلا أننا نتوجس من فكرة المثالثة وعقد مؤتمر تأسيسي جديد لتغيير الدستور، وهي الدعوة التي سبق أن طرحتها إيران. وفي عام 2007 أكد لي السفير الإيراني على هامش مؤتمر سان كلوه في فرنسا، بالتشديد على تطبيق المناصفة وعدم المس باتفاق الطائف. إلا أن طرح المثالثة في حينها لم يكن عبثا لأن النظام الإيراني يتصف بالخبث. وهو واثق بأن حزب الله سيسلم سلاحه ذات يوم. وفي المقابل يجب أن يحصل على مكسب سياسي يتمثل في ما يسمى المثالثة. تناقض المواقف ينكر حزب الله دائما رغبته في عقد مؤتمر تأسيسي جديد لتغيير اتفاق الطائف ويؤكد دائما على أنه مع المناصفة إلا أن سلوكه العملي يتناقض مع هذا الكلام وكأنه بات أكبر من الدولة اللبنانية؟ الحزب يدعي أنه مع الدولة والجيش والمناصفة، في حين تحدثت إيران عن المثالثة، وهذان موقفان متناقضان يجب أن نفكر فيهما جيدا. ولا يستطيع حزب الله أن يكون مع الدولة في ظل وجود سلاح سائب. كلاهما لا يتوافقان، كيميائيا وقانونيا، لأن حزب الله استعمل سلاحه في بيروت في أحداث السابع من أيار عام 2008 وقد يعيد الكرة في طرابلس وأماكن أخرى. وهو بهذا الفعل خفف من ثقته بالدولة التي يدعي دعمها. ومن ناحية أخرى يمنح المزيد من القوة لمنطق الميليشيا. ولو كان حزب الله دعم الدولة لترك الأمور للجيش، فحديثه عن ثقته بالدولة غير كاف، ويجب عليه أن يدعم مؤسسات الدولة، طالما أنه ممثل في مجلس النواب والوزراء. ولا يمكن لحزب الله القول إنه يقبل بمنطق الدولة في ظل وجود سلاح خارج عن سلطتها لأن الاعتراف بالدولة لا يكون جزئيا، بل كليا. كيف يمكن القول إن حزب الله يقبل بمنطق الدولة حينما يقرر منفردا القتال في سورية لحماية النظام؟ يجب أن يتخذ هذا القرار من خلال المؤسسات اللبنانية، التي إذا وافقت عليه ترسل الجيش اللبناني للتدخل عسكريا في سورية. كذلك يتحدث حزب الله في وسائل الإعلام عن دعم الدولة لكنه في الواقع يقلِّل من هيبتها، بما يملكه من مستشفيات وجمعيات ومدارس وجيش وجامعات خاصة، فكل هذا يكرس مفهوم الدولة الموازية. توحيد السلاح لكن يكرر الحزب أنه ذهب للقتال في سورية كخطوة استباقية لمواجهة الإرهاب. إذن: هل أسهم تدخل الحزب العسكري في سورية في منع وقوع تفجيرات إرهابية تخترق الأمن اللبناني؟ هنا نعود مرة أخرى إلى مفهوم الدولة. في عام 2006 دعا رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري إلى طاولة الحوار، التي شارك فيها كل القادة السياسيين اللبنانيين لمناقشة بنود عدة في مقدمتها السلاح الحزبي أو الإستراتيجية الدفاعية. وبالطبع لم يتفق المتحاورون على هذا البند، إذ اقترح رئيس الجمهورية الأسبق ميشال سليمان وخبراء عسكريون على حزب الله أن يكون لديه لواء خاص، يضم سلاحه وعناصره المدربة، لكن تحت قيادة الجيش اللبناني. أي ضمن المنظومة العسكرية والشرعية اللبنانية، حتى نقول إن لدينا جيشا واحدا، إلا أن حزب الله رفض هذا الاقتراح. وأعتقد لو أنه وافق عليه كان يمكن الاستفادة من سلاحه وخبرات عناصره العسكرية، وساعتها ما ذهب حزب الله للقتال في سورية، ولاستطاع الجيش اللبناني القضاء على أي بيئة حاضنة للإرهاب، وحماية حدود البلاد من أي هجوم داعشي محتمل. ومن الضروري القول إن حزب الله لم يتخذ قرار التدخل في سورية، بل إن الذي اتخذ القرار هو طهران، وكلنا نتذكر أن الحزب دخل إلى سورية مباشرة بعد عودة أمينه العام حسن نصر الله من إيران، حيث أبلغ رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق نجيب ميقاتي عبر وزرائه بأنهم ذاهبون إلى سورية، ما دفع ميقاتي للاستقالة، بذريعة عدم تحمله عواقب هذا القرار. إذن قرار حزب الله بالقتال في سورية لم يتخذ داخل لبنان، ولم يراع المصلحة الوطنية، لأنهم لو فكروا في ذلك لما دخلوا سورية. وعموماً، اليوم ليس وقت تصفية الحسابات لأن الوضع في لبنان لا يتحمل ذلك. وهذا ما قاله رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري حينما بدأ عمل المحكمة الدولية، رغم اتهام خمسة عناصر من حزب الله باغتيال والده، مؤكدا أهمية مشاركة تيار المستقبل في الحكومة، رغم وجود حزب الله، وبالفعل تشكلت بعدها حكومة الرئيس تمام سلام. إذن، هذا ليس وقت أخذ الثأر، بل نريد إبعاد الصراع السني - الشيعي الدائر في المنطقة عن لبنان، لأنه كفيل بتخريب البلد. وهذا ما فهمه نصر الله، وأوضحه في خطابه خلال عاشوراء، حيث هنأ تيار المستقبل بمواقفه المعتدلة، بعد أن كنا في وقت سابق يصفه بأنه تيار التطرف. انفلات الحدود أشرت خلال حديثك إلى ضرورة الحفاظ على الصبغة اللبنانية الفريدة.. كيف يمكن ذلك في ظل الخطر الكبير القادم من سورية؟ يمكن تطبيق ذلك عندما يدرك البعض أن هذه هي الحقيقة، وأعتقد أن نصر الله أدرك أخيرا هذه الحقيقة. ولا أعرف إن كان متحمسا في الأساس للدخول إلى سورية، لكن يبدو أنه لم يكن لديه خيار حتى يرفض أو يجادل القرار الاستراتيجي الإيراني بالدفاع عن نظام بشار الأسد، الذي يؤمن لهم وجودهم السياسي في المنطقة. وهناك من يقول إنه أرغم على الدخول في سورية، وهذا ما دفعه للتورط في تلك الأزمة. ولا يمكن لأي عاقل الاعتقاد بانتصار الحزب في بلد مثل سورية، حتى لو امتلك كثيرا من العناصر والسلاح، وهذا الانتصار لم يستطع الجيش السوري النظامي تحقيقه. ويجب التأكيد على أن لبنان لم يواجه المشكلات مع قوى الإرهاب مثل داعش وجبهة النصرة إلا بعد دخول حزب الله إلى سورية. خلق وجود حزب الله في سورية واقعا أمنيا دقيقا تمثل في ظهور خلايا إرهابية نائمة، والدليل على ذلك ما حدث أخيرا في طرابلس. هل يملك الجيش اللبناني القدرات الأمنية واللوجستية القادرة على ضبطها على المدى الطويل، خصوصا أن الحدود مع سورية مفتوحة؟ حزب الله هو الذي يقف أمام الحل النهائي، لأنه يريد بقاء الحدود مفتوحة حتى يتحرك بحرية من لبنان إلى سورية والعكس. وكان يجب عليه وعلى فريق الثامن من آذار الموافقة على اقتراحنا بتوسيع نطاق القرار 1701، الذي يقول في بنده الخامس بحتمية مساعدة الجيش اللبناني في ضبط كل الحدود وليس فقط الحدود مع إسرائيل. لو طبقنا هذا الأمر بالتوازي مع حصول الجيش اللبناني على المساعدات العسكرية، وإرسال الأممالمتحدة لقوة أكبر على الحدود لعرفنا من يدخل ويخرج إلى لبنان. إلا أن هذا الأمر لا يناسب الحزب المذهبي الذي يريد التحرك بحرية على الحدود، مع أنه من مصلحة لبنان انسحاب المقاتلين من سورية، ووضع كل القوت العسكرية في تصرف الجيش اللبناني وتطبيق القرار 1701. فقدان الإرادة هل ترى أن الحزب يملك صلاحية إصدار قرار العودة من سورية؟ بالتأكيد لا، إذن، نحن في وضع صعب جدا ويجب تمرير هذه المرحلة الطويلة في سورية والعراق بأقل ضرر ممكن. بما أننا نتحدث عن ضبط الحدود اللبنانية – السورية التي تدفق عبرها مئات الآلاف من اللاجئين السوريين الذين باتوا قنبلة موقوتة في داخل لبنان أمنيا واقتصاديا واجتماعيا.. كيف تتعامل الحكومة مع هذا الملف؟ عند بدء اندلاع المظاهرات في بلدة درعا السورية قبل ثلاث سنوات، طلب الرئيس فؤاد السنيورة خلال مداخلة له في مجلس النواب اللبناني بوقوف الجيش اللبناني على الحدود لضبطها، حتى لا يتغلغل اللاجئون السوريون إلى الداخل اللبناني، خصوصا أنهم يستسهلون القدوم إلى لبنان أكثر من الذهاب إلى تركيا أو الأردن. وطالب السنيورة بوضعهم في مخيمات حفاظا على الأمن والصحة العامة، وعمل إحصاءات بعددهم من أجل التواصل مع الأونروا والأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي لمساعدتهم. وقبل هذا وكله يجب أن نعرف من سيدخل إلى لبنان في ثوب لاجئ، إلا أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي رفضت الأخذ بمبدأ المخيمات، فكانت النتيجة أن حكومة الرئيس تمام سلام تشكلت بوجود مليون و400 ألف سوري في لبنان. أما عن الحلول، فاتخذت وزارة العمل إجراءات مشددة من ناحية منح إجازات عمل للسوريين. وتشدد كل من وزارتي الشؤون الاجتماعية والداخلية على وضع اللاجئين السوريين في مخيمات وبات لدينا تقريبا ملفات بأسماء معظمهم. كما أغلقت وزارة الاقتصاد كل المحال السورية التي افتتحت من دون ترخيص. ونحن نقدر ظروف اللاجئين السوريين لكننا لا نقدر من يستعمل اسم اللاجئين من أجل العمل في لبنان، مثل 120 ألف صوتوا للرئيس بشار الأسد في السفارة السورية في لبنان، هؤلاء لم يكونوا لاجئين، بل أرسلوا إلى لبنان حتى يضربوا اقتصادنا. من ناحية أخرى، يجب أن يكون هناك حس وطني لدى أصحاب المطاعم والمعامل والمزارعين ورجال الأعمال اللبنانيين، بعدم التخلي عن العامل اللبناني من أجل توظيف نظيره السوري.. هذه هي المقاومة الحقيقية التي تزرع اللبناني في أرضه وتجعل لديه أملا في المستقبل.