يرى محللون أن اختفاء منظمة "أوبك" التي تحتفل غدا في فيينا بالذكرى الخمسين لتأسيسها، ليس واردا رغم الضغوط التي تواجهها من قبل أنصار الحفاظ على البيئة ومؤيدي السياسات الداعمة لمواجهة التغير المناخي التي من شأنها أن تسرع تراجع الطلب على النفط في العالم. وفي هذا الصدد لفت المحللون في باركليز كابيتال الى أنه "غالبا ما تم توقع موت أوبك، لكن تبين دوما أن هذا الأمر سابق لأوانه.. فهناك سوء تقدير لتماسك أهدافها وفعالية تأثيرها على الأسعار "عندما تقرر المنظمة التدخل بشكل جدي". وتوقع المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية نوبو تاناكا أن يزداد اعتماد العالم على أوبك خلال السنوات الخمس أو العشر المقبلة على صعيد الإمداد بالخام مع نهاية الأزمة وعودة الاستهلاك العالمي للطاقة. وتعول أوبك على المديين القصير والمتوسط على احتياطياتها الهائلة للحفاظ على مكانتها خصوصا أن عاود الطلب العالمي انطلاقته مع الانتعاش الاقتصادي. وتحتفظ أوبك بقدرات إنتاجية ضخمة غير مستخدمة، لتلبية تزايد الطلب، على عكس منافسيها مثل روسيا والصين والولايات المتحدة التي تعمل منشآتها بكامل قدراتها. ومع هذا تواجه المنظمة تحديين جديدين يتمثلان بتزايد القدرة الإنتاجية للعراق وانعكاسات ظاهرة الاحتباس الحراري، وذلك في وقت تسعى فيه المنظمة للتأثير على العرض العالمي للخام من خلال تحديدها بانتظام سقفا للإنتاج تبعا للأهداف التي تضعها للأسعار. واستطاع الكارتل دائما الاعتماد على أهمية حقوله لإرساء قوته، لكنه ضعف في أغلب الأحيان في الماضي بسبب خلافات داخلية مرتبطة بعدم التزام بعض أعضائه كليا بالحصص الإنتاجية المحددة لها. وتملك الدول الرئيسية المنتجة للنفط في أوبك قدرات إنتاجية هائلة غير مستخدمة يمكن أن تلجأ إليها بسرعة لزيادة الإمدادات. ويرى الخبراء أن تطوير القدرة الإنتاجية النفطية للعراق الذي بات على السكة بعد إطلاق استدراج عروض للشركات الدولية، قد يضع التوازن السياسي في المنظمة على المحك. وقال فرنسيس بيران مدير مجلة "البترول والغاز العربي" إن "الرهان ضخم: فبين الحروب والعقوبات الدولية وانعدام الأمن لم يكن بوسع العراق خلال 30 عاما على الأقل تطوير قدرته النفطية الهائلة بشكل جدي". ويطمح هذا البلد إلى إنتاج حوالى 12 مليون برميل في اليوم في غضون ست سنوات، مقابل 2.5 مليون حاليا، ما سيجعله ثاني منتج في أوبك. وهذا يمثل تحديا كبيرا لأوبك برأي جان ماري شوفالييه مدير المركز الجيوسياسي للطاقة في جامعة باريس دوفين. لكن المستثمرين ما زالوا في الوقت الحاضر متحفظين على الإسراع في الاستثمار في بلد لا يزال الوضع فيه غير مستقر. إلا أن شوفالييه قال "إذا ما تحققت استثمارات الشركات فإن إيران لن تقبل مطلقا بأن يتجاوزها العراق من حيث الإنتاج والصادرات". فبين الجارين المتنافسين غالبا ما كانت أوبك المكان الوحيد لأي تحاور ممكن، لكنها قد تصبح بالنسبة لهما ميدانا للمنافسة حيث سيؤدي توزيع الحصص الإنتاجية إلى تأجيج التوترات. ورأى صامويل سيزوك من معهد التاريخ الاجتماعي أن العراق حتى وإن كان يملك القدرة الجيولوجية اللازمة فإنه "قد يكتفي حتى ببلوغ نصف هدفه في غضون العشر سنوات، نظرا للعقبات الكثيرة والمشاريع الضخمة في اقتصاد لا يزال صغيرا". وعلى المدى الأطول تبدي أوبك قلقها من إمكانية ارتفاع طلب البلدان الغربية إلى ذروته ثم تراجع استهلاكها. وتراقب بقلق السياسات المعتمدة لمواجهة التغير المناخي التي من شأنها أن تسرع هذا التراجع. ولاحظ فرنسيس بيران أن "العالم قد يعتمد آليات ضريبية تعاقب النفط وهذا التهديد يخيف أوبك جدا". ورأى "أنه أحد المواضيع النادرة التي اتخذت أوبك بشأنها مواقف كمنظمة، ما يجعل منها جماعة ضغط داخل الهيئات الدولية بدءا بالأمم المتحدة" تدعو إلى حلول بديلة مثل التقاط غازات الكربون. وأضاف جان ماري شوفالييه أن "كل شيء سيكون مرتهنا أيضا على الصعيد البيئي بموقف مستهلكين كبار جدد مثل الصين". وتحتفل أوبك الثلاثاء في فيينا بمرور نصف قرن على تأسيسها، حقق خلاله فيه الكارتل نجاحا في الحفاظ على دور رائد بالرغم من الانقسامات وتقلبات سوق الطاقة. ولخص الأمين العام للمنظمة عبدالله سالم البدري في رسالة بثت قبل انعقاد اللقاء الوضع بقوله "هذه الذكرى تأتي لتتوج إرادة المنظمة وتصميمها ونجاحها الدائم في حماية المصالح السيادية لدولها الأعضاء". وقد تأسس الكارتل النفطي في 14 سبتمبر 1960 في بغداد إثر لقاء بين خمس دول منتجة هي السعودية والعراق وإيران والكويت وفنزويلا. وأدرج إنشاؤها في إطار جهود تحرر دول الجنوب في سوق خاضعة لسيطرة الشركات الانكلو ساكسونية. وبعد مرور نصف قرن باتت المنظمة تضم اثنتي عشرة دولة عضوا تؤمن نحو 40% من الإنتاج العالمي من الهيدروكربورات وتملك 70% من الاحتياطيات المؤكدة من الخام على الكوكب، ما يمكنها من التمتع بنفوذ كبير على الدوم. واعتبارا من الثمانينات أصبحت أوبك تمثل أقل من نصف الإنتاج النفطي العالمي. وأقامت عندئذ نظامها الشهير لتحديد الحصص الذي سمح بأن يكون لها تأثير على العرض العالمي. لكن الأزمة المالية الأخيرة وتباطؤ الاقتصاد العالمي الذي أدى إلى انهيار أسعار النفط بحيث تراجع سعر البرميل إلى حوالى 33 دولارا في العام 2008، شكلت طلقة إنذار فاضطرت أوبك إلى تخفيض إنتاجها وقام أعضاؤها بتطبيق كامل التخفيضات المقررة تقريبا (80%). ويعبر عبدالله سالم البدري عن ارتياحه بقوله "إن تدابيرنا (في 2008-2009) لم تحافظ على الأسعار فحسب بل أدت إلى بعض الاستقرار في سوق متقلبة، كما أسهمت أيضا في دعم الانتعاش الاقتصادي العالمي. كل ذلك يؤكد وضع أوبك كواحدة من المؤسسات الأكثر نفوذا في العالم".