لم يكن قدر الشعر أن يبقى بعيداً عن الجدل الثقافي الذي أصبح سمة تميز أي ملتقى شعري، فقد تضمنت الأمسية الشعرية التي أحياها الشاعران السعوديان محمد زايد الألمعي، والدكتور نايف الجهني، مساء أول من أمس، داخل أروقة معرض الشارقة الدولي للكتاب، في إطار النشاط الثقافي للملحقية الثقافية السعودية في الشارقة؛ تضمنت جدلاً فكرياً حول منهجية إقامة الأنشطة الثقافية. تضمن الحديث أيضاً مدى استطاعة الشعر أن يسبر غور هذا الزمن، مجاوراً للرواية التي لم تكن بعيدة عن حديث الشعر فيما قدمه المتحاورون على هامش اللقاء الشعري الذي جاء محملاً بوعي شاعرين حداثيين تتباين تجربتهما وتلتقيان في الوقت ذاته، وهما اللذان خرجا من وراء الحداثة الشعرية بفارق زمني بسيط، وبمحتوى يكاد يحمل كل التفاصيل البعيدة عن تلمس السطح، والقريبة من عمق مرحلة رسمت في أفق النص الشعري سمة الرمزية الواعية بإشكالية اللحظة، وتجردها من اللباس التقليدي. وفي نصوصه التي قدمها الألمعي، توهج المعنى الضبابي، بينما تغلب الجهني بغموض قصائده على الواقع الذي مكنه من إحداث تفاعل مع الحاضرين، حتى تألقت الليلة بهما، وخرج عبق الجنوب بنسائم الشمال، مشكلاً لوحة استثنائية. ومن نصوص الألمعي نص (أخونك كي أشتهيك) وجاء فيه: أخونكِ كي أشتهيك وأشرك فيك لأؤمن ألا سواك شريك أيتها الفاطمات الكثيرات هلا تركتي بعضهُن ليضحكن في وحدتي أويراضينّني عندما أشتكيكِ آه ما أصعب الهذيان إلى وحدتي إذ أراك معتقة في دمي كأني نسيت بأن أستعيدك حين تركت القصيدة ذاهلة ترتجيك رتبي لي القبيلة في بدني الجبلي وقولي أصطفيتك كي لا أخونك بل أشتهيك ونص آخر بعنوان "عندما يهبط البدو" وجاء فيه: عندما يهبط البدو تصحو المدينة من بين فولاذها ذاهلة والنساء يرتبن أوقاتهن بكيد الغواية كي ينصرفن إلى راحة القافلة ينتفضن لأضيافهن من الكسل المتخشب في مخدع العائلة يتنازل عن مخدع الأهل بؤس الرجال يغضون طرف الخيانة للغزوة السافلة أما الشاعر الشمالي الجهني، فقد كانت الصحراء حاضرة إلا أنها بعيدة عن النمطية السائدة في التعبير الشعري، وهو يصوغ لوحتها في نص "غناء" الذي جاء فيه: لغنائها ولناقة سرقت لجدي ما تبقى من خيال العشب وامتلأت سكوت رفضت بوحشتها تمرر أغنيات الطلح.. أو حتى تموت! وفي نصه "الكتاب المؤجل" حيث يقول: أحب العبور بدون اعتذار وأعشق ظلي إذا ما استدار وأرفض أن أستشف الحكايا بلا موعد أو غياب أكيد وأرفض دور معيد النشيد وأكره لون الرسائل حين يغادر فيها رجال البريد لأني أكيد! الليلة التي تجاوزت إلى الفكر وتخطت مشهد الوعي التقليدي، كانت متوهجة بحضور عدد من المثقفين مثل الملحق الثقافي الدكتور صالح السحيباني، والروائي هاني نقشبندي، والفنان الدكتور راشد الشمراني، والإعلامي أحمد العرفج، وأدارها الشاعر مفرح الشقيقي.