عودنا الأمير الشاعر خالد الفيصل على التأمل والمبادرة ومسايرة ركب الحياة في تطورها وعنفوانها وانطلاقتها، لكنه يتمسك بجذوره التي حافظت على قيمها ومبادئها وأعرافها، وبقيت على مر التاريخ ثابتة في كل عصر وهو هنا يقول: كل عصر له مفاهيم وفكر والمبادي ثابتة كل العصور فالحياة سباق وطموح للنفوس الأبية التي لا تعترف بالانزواء والخمول والركود، فهي في حركة دائمة ودائبة تنظر إلى الأعلى، وتحاور النجوم والكواكب، وترنو إلى الفضاء الواسع ولذلك أشار الشاعر بقوله: من يسابق ساعته وإلا خسر ومن يصرف سلعته وإلا تبور فالزمن متجدد دائما، ليس من صفاته الجمود أو الرتابة، فكان تعبير الشاعر في غاية الروعة، عندما أشار إلى سباق الزمن، وكان بليغا في قوله: "من يسابق ساعته"، ولم يقل: "يوما أو شهرا أو سنة".. وقبله قال الشاعر أبوالقاسم الشابي (رحمه الله): إذا ما طمحت إلى غاية ركبت المنى ونسيت الحذر ولم أتجنب وعور الشعاب ولا كبة اللهب المستعر أبارك في الناس أهل الطموح ومن يستلذ ركوب الخطر ثم ينتقل الشاعر خالد الفيصل، نقله درامية مبنية على تجربة ذاتية، وكأنه يدرك أن الطريق حافل بالمخاطر ويتماوج بالأشواك، ولكن الإيمان وعزائم الرجال لا تتردد في اقتحام المجهول وتحقيق الطموح فلنتعمق في الأبيات التالية: والليالي تسعف اللي يعتبر لكن الغافل توريه الثبور ف"الليالي"، ترمز إلى القدرة الإلهية التي دائما ما تسعف المؤمن القوي، وتأخذ بيده وتنجيه من وحوش الظلام ونازلة الليالي، عكس المستكين المنزوي الغافل الذي لا يدري ماذا يدور حوله ولا يعرف ماذا يفعل. في البيت التالي تعبير متقن عن الشجاعة والإقدام وهي صفات متميزة معروفة، وتكسب صاحبها هيبة ومعزة وقيمة، وهي من صفات الصفوة من الناس الذين وهبهم الله القدرة على التحدي والثبات أمام تيار العواصف. العزائم هي مفتاح النصر والشجاعة رأي مع قلب جسور اكتملت المعادلة؛ فالشجاعة وحدها وإن كانت ميزة حسنة، إلا أنها بحد ذاتها تعد تهورا إذا لم يتميز صاحبها برجاحة عقل، وثروة فكر، فهي بالتأكيد محصلة تجارب فذة أو ثقافة واسعة، وقديما قال المتنبي: على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم وينثني الأمير إلى ما هو أكبر، فهو يطمح بأن تكون أمته متميزة تعطي المثل الأعلى بإنجازاتها وحضاراتها وعلمها، تأخذ بالأسلوب الحديث في الرقي والتقدم، تحققها همم الرجال التي ترنو إلى المكانة العالية لأمة تقف في صف واحد مع الأمم الراقية. ولذلك فإن الفكر المتجدد المبني على تجربة التاريخ الإنساني، هو الوحيد الذي يرسم دروب التطور والرقي. ثم يعرج الشاعر على المملكة شعبا وحكومة فيقول: كل قرم في بلادي مقتدر ما علينا نقص ما فينا قصور فرصة التاريخ منا تنتظر وثبة الأجيال بطموح غيور السعودي مجلسه دائم صدر قدوه للمسلمين بلا قصور وراية التوحيد ما تنزل حدر لا نخاف ولا نحيد ولا نجور اكتملت الصورة، وتجلت ناصعة واضحة؛ اعتزاز ب"راية"، رسمت أحرفها نهجا ومنهجا لأمة الإسلام في ربوع العالم، تحملها سواعد سعودية أبية قوية مؤمنة تتخطى عوامل الخوف والهوان.. شعب تحكمه القيم والأعراف والتقاليد المبنية على عقيدة لا تعرف الجور ولا البغضاء ولا تحمل العداوة ولا الضغينة لأحد، وهو شعب منسجم مع ذاته وأفراده ملتصق مع قيادته، فيه وفاء وإباء ونخوة.