في ظل تعدد ثقافات ولغات الحجاج، أظهرت الجهات الأمنية في هذه البلاد الطاهرة، تميزا كبيرا في إدارة هذه الحشود البشرية، حفاظا على أمن الحجاج والمعتمرين والزوار في زمن قياسي وجيز، وعلى مساحة محدودة جدا، في صورة يقف لها العالم وقفة اعتزاز وتقدير لهذه التجربة النموذجية الناجحة التي تقدمها المملكة لخدمة ضيوف الرحمن في أعلى مستوى آمن من أجل خدمة الحجاج القادمين من دول العالم كافة بثقافات وحضارات وجنسيات مختلفة، وتقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن وفقا للمنهج القويم الذي تنهجه المملكة في أداء هذه الشعيرة المباركة دون مشقة أو عناء، وهو الأمر الذي يتحقق على أرض الواقع، من خلال رؤية هذه المنجزات الكبيرة بخطط نفذت بسواعد سعودية متمثلة في القطاعات الحكومية المشاركة، بما تمتلكه من خبرة وتميز فريد في تنظيم إدارة الحشود وحماية الحجاج بتعامل إنساني راق، من خلال الكلمة الطيبة والابتسامات المشرقة على وجوه رجال الأمن والتفاني الصادق في خدمة ضيوف الرحمن أثناء قضاء مناسكهم بخطط سليمة متقدمة ومدروسة في مواجهة أفواج الحجيج المتدفقة بين المشاعر المقدسة بمرونة وانسيابية حدت من الافتراش وسهلت حركة المشاة. ومما لفت انتباهي أيضا حيال التعامل مع تلك الحشود هو آلية التعامل معهم أثناء دخولهم وخروجهم للحرم المكي الشريف والتوازن الملحوظ في كثافة الحجاج في الداخل والخارج والتزاحم والتدافع داخل أروقة الحرم وتوزيع المسارات والمصاعد الكهربائية، حيث يتم توزيع الكتل البشرية على كافة محاور وبوابات الحرم المكي الشريف بخطة مرنة لا يشعر بها الحجاج. إن الناظر المثقف لدور وزارة الداخلية، وما تقوم به من مسؤولية كبيرة تجاه حفظ الأمن واستتبابه في جميع مناطق المملكة ومحافظاتها بصفة عامة وما تقوم به من دور بارز واستثنائي في مواسم الحج والعمرة بصفة خاصة، ليعرف معرفة حقيقية الدور الجبار الذي تؤديه جميع قطاعاتها الأمنية ومدى جاهزيتها من أجل أمن وسلامة ضيوف بيت الله الحرام وتوفير سبل لهم وتقديم الخدمات الأمنية والصحية والتنظيمية في تظاهرة دينية ذات حشود بالملايين لأداء ركن الحج العظيم بطريقة يفخر بها كل مواطن وكل مسلم على وجه المعمورة. إن النجاح الذي يتحقق كل عام، إنما هو بتوفيق الله عز وجل، ثم بالعمل المخلص المتواصل الدؤوب والخبرة التراكمية لكافة الجهات الأمنية وأجهزة الدولة المشاركة في أعمال الحج بدعم وتوجيه ومتابعة من قيادة هذه البلاد المباركة القائمين على خدمة ضيوف الرحمن وتقديم كافة التسهيلات التي تسهم في أداء نسكهم بيسر وسهولة وانسيابية، وفق خطط علمية ميدانية مدروسة توفر أعلى درجات الأمن والأمان لضيوف الرحمن منذ وصولهم إلى الأراضي المقدسة حتى مغادرتهم. كما أن هذه النجاحات المتراكمة جعلت المملكة مثالاً يحتذى به، بل وصنفتها في مقدمة الدول المتقدمة في إدارة الحشود وهذا مفخرة ليس للمملكة فحسب، بل لكافة الدول العربية والإسلامية، ولله الحمد والمنة. ومما يدل على نجاح المملكة في حسن الاستعداد والجاهزية لأعظم قوة في الحج من خلال وسائل تقنية حديثة ترصد حجم التدافعات الحركية واستخدام وسائل الاتصال الحاسوبية ورصد الحوادث ميدانياً ومعالجتها في أوقات قياسية، وقد شاهدت ذلك بنفسي في أكثر من حج، ولفت انتباهي فصل حركة المشاة عن المركبات، ومنع الانتظار في مواقف الحافلات، وكثافة القوى البشرية الأمنية الموجودة في الميدان لتنظيم حركة السير في اتجاهات محددة، وفق تنظيمات دقيقة حدت من الازدحام الذي كانت تعاني منه المشاعر المقدسة في الأعوام السابقة. إن نجاح هذه التجربة لم يأت من فراغ، بل جاء نتيجة للتدريب والإعداد والتنفيذ لقوات أمن الحج قبل المواسم بوقت كاف بطرق علمية ومنهجية واضحة في التدريب والإعداد والبرامج الميدانية والخطط التوضيحية، والدورات التأهيلية لرجال الأمن البواسل بشكل مستمر ودائم في كل عام، والتنسيق المستمر مع كافة القوات المشاركة في الحج لضمان نجاح التعامل الأسمى مع ضيوف الرحمن وتقديم الخدمات المميزة والمتقنة لهم، والعمل على توجيه وإرشاد الحجاج بمختلف اللغات الأساسية ليؤدوا نسكهم بكل يسر وسهولة.