رفض عاصي الحلاني السنة الماضية، تقديم مغناته في بيروت ضمن مهرجانات بعلبك، وفضل تأجيل الموعد الى الموسم الحالي آملاً بأن تهدأ الأوضاع الحائلة دون استئناف التظاهرة الدولية في المكان والزمان اللذين شهدا ولادتها. إما بعلبك أو لا مكان! ولو ان النبرة لا تخلو من غلواء لكنها لا تفتقر الى مغزى منطقي، فابن بعلبك لن يغامر بعمل يعكس مسيرته الفنية برمتها خارج المهد الذي هدهد موهبته. ولو اخذنا في الاعتبار عنصر الرهان الصعب على أوضاع امنية لا أمان لها في رأي عاقل، لأدركنا حجم المجازفة التي واجهها الحلاني لدى اتخاذه قراراً كان يمكن ان يؤدي الى الإطاحة بعمل استعراضي كبير انتجته اللجنة ودعمته السيدة ليلى الصلح، وبمشاركة فيلق من الفنانين والحرفيين. بديهي أن تكون اللجنة ومعها عاصي وكل افراد الفيلق المذكور، ناهيك عن جمهور المهرجان، في حال قصوى من الترقب والتشاؤل قبيل ساعة الصفر مساء 30 تموز الجاري. ولعل ما يرجح التفاؤل على التشاؤم ان القوى الامنية أحكمت قبضتها في الشهور الاخيرة على منطقة بعلبك-الهرمل فلم تسجل فيها خروقات تذكر، وليس مستبعداً أن يكتمل التضافر المحلي مع الجهود الرسمية لتحقيق انطلاقة سالمة وسليمة لمهرجانات بعلبك 2014. المخرج المسرحي جو مكرزل هادئ البال من هذه الناحية، ربما لأن تركيزه منصب بكليته على تفاصيل الإخراج بما يتضمنه من مطبات يجدر التنبه بسرعة لتجاوز احتمالاتها. لديه فرقة رقص عريضة وجوقة منشدين وأوركسترا من 45 عازفاً إضافة الى حرفيي الخشبة والإضاءة والتموين والنقل والإقامة... ومثله مدرّب الرقص فرانسوا رحمة المنكب على تحقيق كوكتيل مثير من الخطوات والتشكيلات الراقصة على إيقاع موسيقى تجمع الشرقين الأقصى والادنى (الياباني كيتارو والتركي مليح كبار) فضلاً عن ألحان أغاني الحلاني نفسه. قدّم انطوان جبارة، رئيس بلدية الجديدة، قاعة البلدية لتمارين الفرقة قبيل انتقالها الى بعلبك، ويلحّ المخرج مكرزل على ضرورة توجيه التحية الى «وطنية» جبارة المعروف بإيلائه الناحية الثقافية اهتماماً ملحوظاً. شهدت مهرجانات بعلبك منذ تأسيسها مطلع خمسينات القرن الفائت انعكاسات الاوضاع الامنية التي عرفها لبنان منذ نصف قرن ونيّف، وكان دأب رعيل المؤسسين- خصوصاً المؤسِسات- زلفا شمعون، مي عريضة، وسعاد نجار، ألا تنجح الصعاب في ثني همة القائمين على التظاهرة مهما كلّف الأمر، مادياً او معنوياً، ويبدو ان الرئيسة الحالية للجنة، نايلة دو فريج، متمسكة بذلك الهاجس أيضاً. المهم ان تبقى الرسالة الجوهرية لمهرجانات بعلبك حيّة وجلية، وهي تتمحور في الأساس على إعلاء القيمة الفنية وترسيخ دور لبنان الثقافي في المنطقة والعالم ودعم القدرات الطليعية الواعدة في المسرح والموسيقى والرقص والغناء. وليس غريباً لمعرفته الأكيدة مضمون تلك الرسالة ان يصرّ عاصي الحلاني على «بلوغ العالمية» من بوابة بعلبك المهرجان... لذا فالأنظار شاخصة الى «عاصي...الحلم» على أمل ان تحلّ المغناة الحلاّنية في مصاف ما سبقها على ادراج جوبيتر وباخوس.