إذا أردت أن تعرف "رمضان أيام زمان" في الحجاز عموماً، وعروس البحر الأحمر على وجه التحديد، فما عليك إلا أن تتجه نحو منطقتها التاريخية بمركزية حي البلد، التي تحتفظ بمخزون هائل من ذكرياتها الرمضانية التليده، تتجاوز في رمزيتها الثمانية عقود. في كل زواية من زوايا هذه المنطقة، سيكون الزوار على موعد مع أجواء رمضان. فعند ضاحية باب جديد الشهيرة، واجهة جدة الشمالية، كانت الأضواء والفوانيس، تشكل الملامح العامة للمكان برمزيته الرمضانية، فالأطفال الذين تجمعوا عند ساحته الداخلية، للعب تحت ظلال فوانيس رمضان، مع ترديد أهازيج استقبال القديمة، زينوا المكان بأحلى "أبهة"، فيما كان كبار السن قد افترشوا المكان في الرجوع عشرات السنين للوراء للعبة "الضومنة"، وسط تلك الاحتفالات التقديمية لاستقبال شهر رمضان المبارك. رمزية هذا الباب تعود وفقاً للمصادر التاريخية التي استقصتها "الوطن"، إلى أحد أمراء المماليك، وهو الوالي حسين الكردي، الذي قام ببناء سور جدة القديم لتحصين البحر الأحمر في ذلك الوقت من هجمات البرتغاليين، فشرع بتحصينه وتزويده بالقلاع والأبراج والمدافع لصد السفن الحربية التي تغير على المدينة. وشرع كردي في بناء السور وإحاطته من الخارج بخندق زيادة في تحصين المدينة من هجمات الأعداء، وبمساعدة أهالي جدة تم بناء السور، وكان له بابان واحد من جهة مكةالمكرمة والآخر من جهة البحر. واشتمل السور على ستة أبراج، كل برج منها محيطة 16 ذراعاً، ثم فتحت له ستة أبواب هي: باب بمكة، وباب المدينة، وباب شريف وباب جديد وباب البنط وباب المغاربة، أضيف إليها في بداية القرن الحالي باب جديد وهو باب الصبة. وتم إزالة السور لدخوله في منطقة العمران تحديداً في عام 1947. وكانت مساحة السور لا تتجاوز تقريباً 15 كلم2. الزوار والسياح القريبون من المكان حرصوا على زيارة باب جديد، المتزين بفوانيس رمضان والأضواء الكاشفة من المصابيح التي أعطت البقعة رونقها التاريحي، ولم يكتفوا بذلك، بل فضل بعضهم قضاء جزء من وقته لاستنشاق الأجواء الرمضانية، والتقاط الصور التذكارية بالهواتف المحمولة، والكاميرات الرقمية المتقدمة. أحدهم لم يتوقف عن التصوير لأكثر من نصف ساعة تقريباً، وهو يرصد كل زاوية من زوايا ساحة باب جديد، ليضعها بعد ذلك مباشرة في حسابه على صفحة "الإنستجرام" المخصصة لاستعراض الصور ومقاطع الفيديو القصيرة التي لا تتجاوز 15 ثانية. وإذا استمررت في الدخول لعمق "تاريخية جدة"، من جهة برحة العيدروس وحارة الشام والمظلوم، ستجد الفوانيس في استقبالك، وأنت تسير بين ضواحي وحارات جدة القديمة، التي ما فتئت تحافظ على ذاكرتها بين الجداويين رغم أجواء العصرنة التي تحيط بها من كل جانب، إلا أن هذه المنطقة لا تزال هي الرقم واحد في زيارات رمضان لما تحمله من أجواء لا يمكن أن تعيشها إلا بين ثناياها.