لا تذكر الطائف إلا وتذكر معها منطقة "الردف"، التي تقع في الجزء الجنوبي من المحافظة، عند نهاية شارع "شهار" العام، بالقرب من غدير "البنات". وقد شاع ذكرها وتناقلتها الركبان، ووردت في قصائد الشعراء منذ القدم. وكانت المتنزه والمتنفس الوحيد للشباب، بالرغم من أنها عبارة عن شارع تحيط به مساحات من الرمال، وصخور شاهقة، تم وضع بعض الملاهي على جوانبها. متنفس للشباب في العقود الماضية، عندما كانت عبارة "ممنوع دخول العزاب"، تحول دون دخول الشباب لجميع المتنزهات كانت منطقة "الردف" هي الموقع الوحيد الذي يحتضن الشباب في الصيف، يتسامرون على أرصفته حتى طلوع الفجر، إضافة لذلك كانت "الردف" متنفسا للعديد من الأسر والزوار، وهي وجهة محببة للأطفال الذين يمارسون فيها هوايتهم في ركوب الخيل والجمال، واللعب بالدراجات النارية. تبدل الأحوال الحال في "الردف" اختلفت، ولم تعد كما كانت في ماض قريب، حيث فقدت المنطقة جاذبيتها للشبان، وأصبحت شوارعها خالية، بعد أن أوعزت "أمانة الطائف" لأحد المستثمرين بتسويرها، وعلقت عبارة "ممنوع دخول الشباب" على أبوابها، أسوة بمتنزهات الطائف الأخرى، الأمر الذي انعكس بصورة "سلبية" على مجمل الوضع بها، حيث أغلقت جميع محلات بيع الطعام الصغيرة، وتم هدم الحديقة، وسلمت لإحدى شركات الاستثمار منذ نحو عامين، ولكنها لم تعمل شيئا حتى الساعة، ولا تزال المنطقة كما هي عليه! فقدانُ المتعة رواد المتنزه، ممن التقت عددا منهم "الوطن"، يحنون لأيامه الخوالي، مستذكرين ما كان عليه. "أبو سلطان" مسنٌ اعتاد ارتياد "الردف" منذ أمد بعيد، ويرى أنه "الأفضل بين المتنزهات"، مبينا أنه كان يأتي بصحبة أبنائه، ولكن "بعد أن كبروا وذهب كل واحد منهم في تصريف شؤون حياته، صرت أجيء بصحبة زوجتي"، متمنيا أن يكون المتنزه "متنزها مفتوحا، وليس مكانا مغلقا للملاهي، ذاكرا أن "الشباب والأطفال يحبون هذا المتنزه، وخاصة بعد استقدام الخيول والجمال، التي يتمتعون بالركوب عليها، وكذلك الدبابات، إلا أن الأخيرة أصبحت مزعجة جدا، لبعض مرتادي المكان". مساحة للتفاؤل عبد الله الحارثي، الطالب الجامعي، هو الآخر له ارتباطه ب"الردف"، معتبرا أنه "يمثل لي ولأصدقائي مكانا يشعرنا بالتفاؤل والأريحية، دون قيود مفروضة على تواجد الشباب بالمكان، وخاصة تلك الهضاب التي يرتقيها الشباب، ومنهم من يقوم بتحجير السيارات هناك، مما يشكل جوا من المرح والألفة بين الشباب". سنوات دون تغيير! من جهته، تحدث لنا أحمد الثبيتي، الموظف الحكومي، عن ارتياده الدائم لهذا المكان، كونه "متنزها مفتوحا"، متمنيا أن "يكون كذلك دائما"، مضيفا "أتمنى أن أرى الردف في حال أفضل مما هي عليه الآن، وخاصة بعد أن أغلقت البوفيهات، والرمانات التي كانت بها، وأصبحت خرابا، إلا أن المنطقة تشهد في الصيف ارتيادا كبيرا من زوار الطائف، إضافة إلى أهالي المنطقة من الشباب والأسر، الذين يأتون للمكان لقضاء وقت ممتع بالمتنزه". وأشار إلى أن "الردف تعيش الآن فترة انتعاش بوجود المصطافين، وكذلك بوجود الخيول والجمال التي تستهوي الأطفال والمراهقين"، مستغربا في ذات الوقت من "إطلاق العديد من التصريحات لمسؤولي البلدية، بأن المنطقة سوف تتغير للأفضل، وسوف يشرف عليها متعهد يقوم بتشغيلها، وإعادة صيانتها من جديد، إلا أنه مرت سنوات كثيرة على هذا الكلام، ولم يحدث أي تغيير، ولم تكن هنالك حتى بوادر لهذا التغير". عناية مفقودة الأسى على الحال التي باتت "الردف" عليها، لم يمنع سلمى محمد، من أن ترتاد المكان، صيفا وشتاء، مبينة أن المتنزه "مكان جميل يحتاج إلى العناية فقط، والاهتمام من قبل البلدية"، مشيرة إلى أن "الردف قد تغنى بها العشاق، وهي مكان يرتاده الناس سواء أكانوا شبابا أم أسراً منذ زمن طويل، لذا ينبغي الاهتمام به، وإخراجه بصورة ترقى إلى مصاف المتنزهات المفتوحة الجميلة، والمتوافرة على جميع الخدمات، شريطة ألا يكون متنزها مغلقا، بل يترك كما هو، فجمال التنزه به في كونه مكانا مفتوحا، وليس مغلقا". بعدٌ تاريخي من جهته، أبان رئيس نادي الطائف الأدبي، المؤرخ حماد السالمي، أن "الردف منطقة تاريخية جميلة، تقع في الناحية الجنوبيةالشرقية من الطائف، وتعني الترادف والتتابع"، موضحا أن "الردف هي أكمة صخرية سوداء وحمراء، تتوزع في هضبتين متقابلتين جنوبالطائف، بين السداد وحمى عوف"، مضيفا أنها "تحولت إلى متنزه عام وحدائق يرتادها الناس صيفا وشتاء، حيث تعد من أكبر وأهم المتنزهات المفتوحة في المنطقة"، مشيرا إلى أنه "نظم عام 1403ه بمنطقة الردف، بين حي السداد ومسيل عرضة على مساحة تبلغ 146.606م2، ويضم المكان 18 حديقة، وهو مزود بمرافق ومواقف، وشوارع تزيد من مساحته، لتصل إلى 453.000 م2". السالمي أبان أنه كان ل"الردف نصيب من شعر الشعراء، فجمود المكان بصخوره، لم يمنع شعراء الغزل من التغني به وبعشاقه". كاشفا عن أن "الشاعر راشد بن خنين، قد ذكر أن مفتي المملكة ورئيس قضاتها السابق، الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، كان يخرج للردف للتنزه، ويستظل بظل صخرة كبيرة، وكان الشاعر يقرأ عليه بعض المعاملات القضائية". تعليق الأمانة وحل التطوير المنتظر لمتنزه "الردف"، والتأخر الحاصل به، قال مدير العلاقات العامة والإعلام بأمانة الطائف، إسماعيل إبراهيم، إن "مشروع الردف عبارة عن مشروع تطويري سياحي، سيتم من خلال إقامة مدينة ترفيهية سياحية ينفذها القطاع الخاص، ولكن نظرا للتأخير من قبل المستثمر، الذي استمر إلى الآن منذ فترة طويلة، فقد تم توجيه إنذار أخير له، وإذا لم ينفذ خلال المهلة التي مُنحها، فسوف يتم سحب المشروع منه، وسوف تتولى البلدية الأمر"، مبينا أنه "تم رفع أمر المستثمر للوزارة" من أجل النظر فيه.