إن لم يكن للفكرة كما للرسالة عنوان؛ ستلف تائهة فلا تجد مكانها فتضيع حتما إن لم يتلقها أو يتلقفها من يجيد إعادة صياغة شكلها ومضمونها ليعنونها من جديد، قد يعطيها هدفا آخر قد يكون هدفا منازعا لها.. إن هذا العنوان الذي يجب أن تعنون إليه أمور الأمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهمومها وغيره، للعمل على تحقيق مصالحها أولا ثم رد أي أطماع معنوية أو مادية، ثانيا إيجاد مرجعية ثابتة مؤتمنة. يجب أن تكون الأولوية القصوى لدى أي مسؤول حسب حجم مسؤولياته، بل لدى جميع أفراد هذه الأمة، فلقد برزت في الفترة الأخيرة عناوين شتى في محيطنا تحاول جذب كل ما أمكن من قدرات بشرية واقتصادية حولها لتكون ناطقة باسمها ممثلة لها حامية لتطلعات منتسبيها ومقلديها. إن عدم وجود هذا العنوان الشامل يعطي إشارة سلبية إلى مشاريع موازية، بل بعضها معادية بأن المنطقة ضعيفة، وأن اللعب فيها قد لا تترتب عليه أي عواقب، ناهيك عن إبداء جاذبيتها لكل أولئك الذين لا يجدون ظلا يظلهم، فيحتمون من الرمضاء بالنار، حيث تعمل هذه على تحويلهم واستخدامهم كوقود لتمثيل مخططاتها وتلبية أطماعها لإشاعة الفوضى، والذي يقود عادة إلى الانفلات الأمني الذي قد يهدد كيان الدول المستهدفة ووجودها، وهذا ما يعمل عليه التمدد السرطاني الإيراني في المنطقة وبطرق متعددة وخبيثة للغاية، لبث البلبلة وإشاعة الفتنة في بعض دول الجوار، واللعب بالورقة الطائفية محاولا خلط الأوراق وإضعاف المواقف وتصدير مشاكله إلى الخارج وإشغال الآخرين بداخلهم، ليثب في اللحظة المناسبة ملتهما ما يستطيع.. الصفوية التي تحارب أي وجود حقيقي لمرجعية شيعية عربية في النجف والعراق تنافس قم الإيرانية، فكيف به تجاه أي وجود سلمي ذي معنى! إن في الثورة السورية اليوم فرصة سانحة جدا ولو أنها متأخرة جدا أيضا، لتشكيل هذا العنوان المرجعية الأولى، أي الظل الذي يظل الجميع بلا استثناء ويميل إليه من يستحسنه أيضا، والذي سيكون وحده المسؤول عن إعادة صياغة ما تطمح إليه شعوب المنطقة استراتيجيا، وببعد نظر تام بتكوين تحالف جيوسياسي يستطيع تحقيق تطلعات الجميع، والتي تلتقي وتتقاطع كثيرا إلا عند أصحاب النظرة القاصرة والمصالح الأنانية الخانقة لمصالح الأمة.. إن إبداء قدر من المرونة لصالح مصلحة أخ جار هو أمر محمود وجميل، كما أن بناء جدار يستند عليه الناس عند حاجتهم إليه أمر في غاية الضرورة اليوم. إنا نحن اليوم وكأننا بدون عنوان واضح يجمع آمالنا ويهتم بآلامنا، وبما أن هذا العنوان المرجع الأهم في استراتيجيات الدول والشعوب المعتبرة، فنحن ندعو الجميع وبلسان فصيح وواضح إلى الالتفاف حول أم القرى؛ لتكون عنوانا أمينا للجميع بما يشكل ذلك من ترشيد للقدرات والمصادر وتوزيع الأدوار، حيث تشكيل مرجعية يستظل في ظلها الجميع هو سبب رئيس للحفاظ على كيان الدول، بل كيان الأمة ومصالح شعوبها وإن كان للبعض بعض المآخذ أو وجهات النظر المختلفة والتي قد تكون صائبة ومحقة، فالأجدر أن تناقش هذه الأمور داخليا للحفاظ على هيبة قيادة الأمة، وهكذا فإن دائرة النفوذ والتأثير قد تكون أشمل وأوسع وظل حماية الأفراد ألطف وأنجع. إن لم نتفق على هذا العنوان الذي نستند عليه والذي يجب أن يكتسب حظوة وقبولا ومصداقية للعمل الجاد والصادق، فإننا سنواجه هذا المد الصفوي الهوى في بيوتنا، وقد وصلوا إلى بعضها بالفعل في الشام، ولا يظن أحد أنه بمنأى عن هذا الشر أو بمأمن منه. إننا نرى مركز هذا العنوان والظل الذي سيلجأ إليه أتباعه كما أسلفنا هو أم القرى؛ ليكون المرجعية الضامنة لمصالح الأمة وإن كان هناك اختلاف على أي مواضيع أخرى وهي موجودة يكون الحوار حولها وتقديم النصح من خلال هذا العنوان، وذلك بتغليب مصلحة الأمة التي يجب أن تكون الأولوية القصوى للجميع. إن الظروف التي نمر بها اليوم تحتم علينا السعي الحثيث والسريع وبصدق من أجل توحيد الكلمة والعنوان، وبذلك الجهد والإرادة والعزيمة على صد أي تدخل من قبل هذا السرطان الذي أراه استشرى، والعمل الجراحي له أولى.