مكن انتشار الصيدليات في المملكة العديد من المستثمرين في القطاع الصحي، من زيادة عددها والاستفادة من جني أرباح طائلة في ظل تزايد الكثافة السكانية، حتى أصبح عدد الصيدليات نحو 6373 حتى عام 2011، كما جاء في الكتاب الإحصائي السنوي لوزارة الصحة. إلا أن العدد يظل في تزايد ويقابله انفلات في عملية صرف الأدوية وضعف آليات تنظيم عملية صرفها، مما يتسبب في حدوث مضاعفات خطرة ناتجة عن تناول تلك الأدوية من دون استشارة طبية، فيدخل المرضى في مضاعفات لا تحمد عقباها خصوصاً أن كثيرا من الصيادلة لا يعرفون التاريخ المرضي للحالة كما أنهم ليسوا أطباء. قوننة الصرف ويقول استشاري الأنف والإذن والحنجرة في المستشفى الجامعي بجامعة الملك سعود بالرياض الدكتور سريع الدوسري إن العالم الغربي يطبق نظاما صارما في صرف الأدوية داخل الصيدليات ولا تصرف إلا بوصفة طبية، في حين لا نزال في المملكة في حاجة إلى تطبيق نظام مقنن بحيث يكون ضمن آلية معينة تمنع صرف الدواء إلا بوصفة طبية، والعمل على تفعيل لوائح جديدة تشمل تنظيم صرف الأدوية من الصيدليات العامة، بجانب وضع عقوبات صارمة كتطبيق إغلاق الصيدليات التي تخالف أمر الصرف بدون وصفة طبية، إلى جانب الغرامات المالية التي تشعر المستثمرين في الصيدليات بتخوف من مخالفة الأنظمة والقوانين. وأوضح أن صرف المضادات الحيوية بشكل عشوائي من قبل الصيادلة يشكل خطورة على صحة المرضى لما لهذه المضادات من آثار جانبية، كاشفا أن صرف تلك المضادات من دون وصفة طبية يعود لعدد من الأسباب منها الطمع في الكسب المادي، إضافة إلى عدم التزام بعض الصيادلة العاملين في القطاع الخاص بأخلاقيات مهنة الصيدلة. وأشار الدوسري إلى أن الصيادلة يروجون لبعض العقاقير والأدوية بمجرد أن يقوم المريض بزيارة للصيدلية طالبا علاجا لعارض ما قد يشتكي منه المريض دون أن يقوم الصيدلي بمعرفة الأمراض التي قد يكون يعاني منها الشخص، فيدخل المريض في دوامة من المضاعفات الناتجة عن تعارض هذا الدواء مع حالته الصحية، فتطبيق الأنظمة والقوانين الصارمة يكون الحل المثالي لمنع التهاون في صرف العلاجات بدون وصفات طبية. "وصفية" و"لا وصفية" ومن جهته، أوضح رئيس قسم جراحة المخ والأعصاب بمستشفى الملك فهد بالخبر بجامعة الدمام البروفيسور عبد الرحمن العنزي، أن الآلية الصحيحة لضبط بيع الدواء في الصيدليات العامة تكون في وضع نظام يقنن عملية الصرف وتلتزم به صيدليات القطاع الخاص كافة، فالأمر يحتاج إلى قرار إيجابي يفعل بطريقة حديثة، كاشفا أن وزارة الصحة طبقت سابقا منع صرف الأدوية التي يكون لها تأثيرات سلبية على سلوكيات الأفراد إلا بوصفة طبية، وتدخل هذه الأدوية تحت مسمى "الوصفية" كالأدوية النفسية المسببة للإدمان. وأضاف العنزي: نجد أن معظم الصيادلة لا يسألون عن الوصفات الطبية عند شراء الدواء ما يعد مخالفة قانونية تقتضي العقوبة، مبررا ذلك بأن هناك أدوية تعتبر "لاوصفية" بحيث لا يشترط وجود وصفة طبية لصرفها لكن قد يكون لها مضاعفات خطيرة على سلامة المرضى من حيث التعود على تناول هذه العقاقير والنتائج السلبية التي يصاب بها الأفراد إثر ذلك كالمضادات الحيوية، مشيراً إلى أنه في الغرب يمنع صرف المضادات الحيوية للمرضى من قبل الصيادلة، وذلك لما يسببه هذا العقار من مضاعفات خطيرة، لذلك لا بد من وضع نظام صارم من قبل وزارة الصحة ينظم عملية صرف الأدوية في الصيدليات العامة. خطر المضادات وأوضح مدير مستشفى الأطفال في مدينة الملك فهد الطبية في الرياض استشاري الأمراض الصدرية للأطفال الدكتور خالد المبيريك، أن صرف المضادات الحيوية والأدوية دون سن الرابعة يشكل خطرا جسيما على صحة الأطفال، كذلك أدوية السعال والبرد على هذه الفئة قد تتسبب في حدوث أعراض ضارة كالتهيج والأرق، والخمول، والهلوسة، وارتفاع ضغط الدم، كما أن تخلص الجسم من تلك الأدوية يختلف باختلاف العمر ويكون بطيئا جدا خاصة للأطفال دون سن 6 أشهر؛ مما يزيد من الأعراض الجانبية، ويمكن أن يتغير استقلاب تلك الأدوية عند تزامن أخذها مع أدوية أخرى مثل خافض الحرارة. وأشار المبيريك إلى أن تقرير برنامج المراقبة الخاص في الأحداث الضارة بعقارات البرد الصادر من المركز القومي الأميركي لنظام مراقبة الإصابات الإلكترونية التعاوني كشف أن 7091 طفلا أعمارهم 12 سنة أو أقل، زاروا أقسام الطوارئ خلال عامي 2004 و2005 نتيجة أضرار جانبية من علاجات البرد والسعال، كما أثبت اختبار علم السموم وجود أثر لاستخدام علاجات البرد والسعال بنسبة 5% من حالات الاختناق المهددة لحياة الرضع. وأضاف المبيريك أنه تم ربط علاجات البرد والسعال بحالات الوفيات لدى الأطفال؛ حيث تم عمل فحوصات السموم لأطفال توفوا لأسباب غير معروفة فاتضح فيما بعد أن مكونات تلك الأدوية داخل أجسام الأطفال، وأثبتت أن كل من 4 وفيات للأطفال تقل أعمارهم عن 9 أشهر كانت نتيجة تلك الأدوية، كما استنتجت لجنة خبراء من أطباء الأطفال وعلماء السموم بعد استعرض الوفيات الناجمة عن علاجات البرد والسعال فيمن أعمارهم 12 سنة أو أقل أن 118 حالة ربما ناجمة عن مكونات علاجات البرد والسعال، وأن العوامل المرتبطة بالوفيات من تلك العلاجات ممن تقل أعمارهم عن سنتين استخدامات تلك الأدوية لتنويم الأطفال. وكذلك استخدمت هذه العلاجات في دور الرعاية النهارية لديهم، موضحا أنه أسفرت مراجعة وفيات الرضع لأسباب غير واضحة في ولاية "أريزونا" في الولاياتالمتحدة الأميركية أن 10 حالات مرتبطة بعلاجات البرد والسعال مع أنه لم تتوفر اختبارات السموم إلا في 21 حالة فقط من 90 حالة، ولعل المعدل الحقيقي للآثار السلبية لعلاجات البرد والسعال للأطفال أكثر مما هو مسجل. ويقول المبيريك نستنتج مما سبق أن علاجات البرد والسعال ليست فعالة، وربما تتسبب في آثار جانبية خطيرة، بما في ذلك الوفاة ولذا تنصح إدارة الأغذية والعقاقير الأميركية بعدم استخدام تلك الأدوية لأطفال أقل من 4 سنوات، وفي كندا تم تقييد استخدامها لمن هم أقل من 6 سنوات من العمر وتوخي الحذر عند استخدامها، مشيرا إلى أن الهيئة العامة للغذاء والدواء السعودية تحذر من استخدام أدوية السعال والاحتقان للأطفال الذين يكونون دون سن 6 أعوام. حلول سريعة ومن جهته كشف الصيدلي الدكتور عادل أدهم أن تزايد عدد الصيدليات في جميع المناطق يشكل تخوفا كبيرا في تلاعب المستثمرين في هذا المجال بصحة وسلامة الأشخاص، في وقت نجد فيه أن شركات الدواء العالمية المستثمرة في السعودية تزداد عاما بعد آخر؛ حتى وصلت إلى ما يقارب 730 شركة عالمية في ضوء ضعف الرقابة من قبل وزارة الصحة على تطبيق نظام ينظم عملية صرف الأدوية في صيدليات القطاع الخاص، كاشفا أن ارتفاع أسعار الخدمات الطبية في القطاع الخاص دفع المواطن إلى السعي للبحث عن الحلول السريعة لدى الصيدليات العامة دون أن يدفع مبالغ ترهق ميزانية العديد منهم، كذلك لا بد من إعادة جدولة صرف الأدوية بحيث يتم إدخال أصناف من العلاجات النفسية لقائمة الأدوية "الوصفية"، فسوق شركات الدواء بالسعودية في القطاع الخاص تبحث عن جني الأرباح دون الاهتمام بصحة المريض. وقال أدهم: للأسف لدينا مراجعون يعانون من عدم مقدرتهم على التخلص من العقاقير النفسية نتيجة تناولها أكثر من عام بدون وصفة طبية وشرائها من صيدليات القطاع الخاص، مطالبا بأهمية إعادة جدولة الأدوية التي يحصل عليها المرضى من الصيدليات بدون وصفات طبية؛ بحيث يمنع صرف أصناف قد تشكل خطورة على صحة الأفراد مثل أدوية القلب، وضغط الدم، والأدوية النفسية دون إذن طبي من قبل طبيب متخصص، إضافة إلى الأدوية الجنسية، والمضادات الحيوية. درء المخاطر وأوضح المدير العام للمكتب التنفيذي بمجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون الدكتور توفيق بن أحمد خوجة، أن تناول أي صنف من الأدوية المتاحة في الصيدليات بدون أنظمة وتشريعات محددة وواضحة يساهم في تفاقم المشكلات الصحية وصعوبة معالجتها ودرء مخاطرها وأعراضها الجانبية، خاصة الأمراض المعدية والعديد من الأمراض المزمنة كأمراض القلب والسكري والأمراض العصبية والنفسية، حيث ظهر مؤخراً في الساحة الطبية مقاومة شديدة من قبل الأمراض المعدية للعديد من المضادات الحيوية، ويشكل هذا وغيره تكاليف باهظة في معالجة تلك الأمراض بالإضافة إلى ضياع الجهد العلمي في الاكتشافات الصيدلانية الطبية الدوائية الحديثة. وأضاف: لا بد من معرفة أن هناك شيئا غائبا عن المواطن وهو أنه يتوفر حالياً في السوق الصيدلانية عدد كبير من الأدوية بأسماء مختلفة لشركات عدة لعلاج حالات مرضية بسيطة يحق للصيدلي في الصيدليات صرفها بدون وصفة طبية حسب ما يقرر ذلك في الأنظمة والتعليمات الصادرة من قبل وزارة الصحة والهيئة العامة للغذاء والدواء، فعند تسجيل أي دواء في المملكة تقوم هيئة الغذاء والدواء بتصنيف هذا الدواء هل هذا الدواء يصرف بدون وصفة طبية ويتم تصنيفه على هذا الأساس والمتعارف عليها عالمياً OTC (Over The Counter)، أو لابد من وصفة طبية من قبل الطبيب، وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الصحة تعتبر صرف دواء بدون وصفة طبية لا يوجد في قائمة الأدوية اللاوصفية (OTC) مخالفة للنظام ويعاقب عليها نظام مزاولة المهنة وأخلاقياتها. وأضاف أن ثقافة صرف الدواء من الصيدليات بدون وصفة طبية للأدوية التي يجب أن تصرف بوصفة طبية مشكلة ذات جوانب متعددة يشترك في تناميها المواطن بصفة عامة، ذلك لطلبه تلك الأدوية بصفة عاجلة وتعوده على هذا الأمر منذ سنين، واتباع الأسلوب خوفاً من الذهاب إلى المستشفيات العامة والخاصة والانتظار طويلاً حتى يحصل على الدواء، لذا فإن تناول ومعالجة هذه القضية والوقاية منها يتطلب بذل مزيد من الجهد في توعية المواطن وتعزيز المعرفة لديه وبيان خطورة هذا التصرف، لأنه لا يوجد دواء إلا ولديه آثار جانبية أو مخاطر تحصل أثناء تناوله بدون استشارة طبية، خاصة إذا علمنا أن العديد من الأدوية المتاحة حالياً تتداخل تفاعلاتها وتأثيراتها فيما بينها إما سلباً أو إيجاباً أو تؤدي إلى مشاكل صحية مستحدثة. مزرعة بكتيرية وأضاف خوجة: أما صرف المضادات الحيوية للأطفال دون سن الثانية فهو يوصف من قبل الأطباء وكذلك يصرف من قبل الصيدليات للأسف الشديد، مع العلم أن معظم الالتهابات التنفسية عبارة عن فيروسات، ووزراء الصحة لدول المجلس قد اهتموا بهذه الظاهرة لوضع سياسة لاستخدام المضادات الحيوية ومكافحة العدوى، والمضاد الحيوي يجب أن لا يصرف إلا بوجود مزرعة بكتيرية تبين نوع البكتيريا وحساسيتها للمضاد الحيوي، وهذه الظاهرة في الإسراف في سوء استخدام المضادات الحيوية عالمية وليست محلية. وأكد خوجة أنه صدر من قبل مجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون عدة قرارات تطالب بوضع أدلة إجراءات وأنظمة معيارية مبنية على البراهين في هذا الجانب، وصدر مؤخراً الدليل الخليجي لمعالجة الالتهابات التنفسية في المجتمع من المركز الخليجي التعاوني في مدينة الملك عبد العزيز الطبية للحرس الوطني بالرياض، خاصة بعد الدراسات التي عملت في العديد من دول مجلس التعاون في هذا الجانب، وأوضحت أن هنالك هدرا وسوء استخدام للمضادات الحيوية في ذلك، كما صدر قبل أكثر من خمسة عشرة عاماً دليلاً استرشادياً لوزارة الصحة السعودية ينظم صرف المضادات الحيوية للأطفال خاصة في الالتهابات التنفسية بالجهار التنفسي. وقال خوجه إن على الإدارات المعنية في وزارات الصحة بدول مجلس التعاون وضع نظام متكامل لمراقبة الأدوية من ناحية الوصف والصرف والاستعمال شأنه شأن نظام الوصف والصرف البريطاني (Pact). علماً بأنه حتى لو تم وصف الدواء بوصفة طبية فإن هذا لا يعني أن يترك الأمر بدون متابعة ومراقبة من الجهاز الطبي والصيدلاني لمتابعة هذا الدواء وآثار استخدامه من قبل المستفيد والمتناول له من ناحية مناسبة وفعالية هذا الدواء لهذا الشخص، أو البحث عن دواء آخر أكثر نجاعة وفعالية..، لذا أؤكد أهمية مراقبة نمط الوصف والصرف للأدوية عموماً. متابعة ومراقبة من جانبه أوضح المتحدث بوزارة الصحة خالد مرغلاني أن وزارة الصحة تراقب الصيدليات الخاصة في كافة المناطق؛ حيث يتمثل ذلك في المتابعة والمراقبة لمنع أي تجاوزات تحدث وتخالف المعايير المهنية وأنظمة تداول الأدوية والمستحضرات الطبية في هذه الصيدليات، كاشفا أن وزارة الصحة لم تغفل عن تنظيم عملية صرف الأدوية في الصيدليات الخاصة؛ حيث هناك تعليمات واضحة للصيادلة يمنع بيع العلاجات إلا بوصفة طبية، ويستثنى من ذلك "اللاوصفية"، وذلك وفقا للمادة 23 من نظام مزاولة المهن الصحية التي تحظر صرف أي دواء إلا بوصفة طبية صادرة من طبيب مرخص له بمزاولة المهنة. وأضاف أن الوزارة قامت بالتشديد على كافة المديريات الصحية بأهمية وضع لوحات إرشادية داخل الصيدليات بحيث يتم وضعها في أماكن واضحة تشتمل على تعليمات صرف الأدوية، موكد أن المديريات الصحية تطبق هذه الأنظمة واللوائح الصادرة في هذا الشأن ومعاقبة المتهاونين، وعن الغرامات المستحقة في حق المخالفين أوضح مرغلاني أنه قد يصل الأمر إلى الإغلاق للصيدليات المخالفة للوائح والأنظمة، وسحب الترخيص والمنع من مزاولة المهنة.