عندما تدخل إلى صيدلية تجد لوحة أمامك تقول: يمنع بيع الأدوية إلا بوصفة طبية، ولكن بمجرد طلبك دواء نفسي أو منوم أو مضاد حيوي مهما كان نوعه يناولك إياه الصيدلاني، بل قد يتعدى الأمر إلى تشخيص المرض الذي تشتكي منه، ويصف لك الدواء المناسب بمجرد سماع شكواك دون أن يطلب منك أي ورقة أو يسألك أي سؤال. وفيما تنتشر هذه العشوائية في الكثير من صيدليات العاصمة الرياض، يحذر المختصون من أن المنومات وبعض الأدوية المسكنة والنفسية والمضادات الحيوية أدوية خطيرة، إذا لم يتم وصفها من قبل الطبيب، ولذلك من المحظور بيعها في جميع الصيدليات في الدول المتقدمة ما لم تحمل الوصفة توقيع الطبيب، بل وفي بعض الدول مثل كندا يقوم الصيدلاني بالاتصال بالطبيب للتأكد أنه قام بتقديم وصفة وكمية الجرعة التي أوصى بها، في حين ينظر البعض إلى وزارة الصحة على أنها ربما تكون عاجزة عن إجبار الصيدليات لوقف البيع دون وصفة. ولم يقتصر الأمر على بيع الأدوية بدون وصفة، بل تجد أدوية طبية تباع في بعض البقالات العشوائية وبعض مراكز المواد الغذائية، ومن أبرزها مسكنات الألم ومخفضات الحرارة، حيث توجد في حالة حفظ غير صحية وتتعرض لظروف جوية متقلبة، وتسلط على البعض منها أشعة الشمس المباشرة. «عكاظ» ومن خلال جولة لها على بعض الصيدليات والمحال التجارية رصدت غياب الرقابة عن تلك الصيدليات والمحال، بحيث أصبحت لا تخشى حملات ولا جولات تفتيشية، جاعلة الربح أهم أولوياتها. تقول سلمى العلي وهي معلمة: إن بيع مثل هذه الأدوية بدون وصفة طبية فيه خطورة كبيرة على المستهلك، لذا يجب على الجهات المعنية ضرورة مراقبة تلك الصيدليات ووضع عقوبات رادعة لمن يفعل ذلك، كما تجب مراقبة البقالات ومحلات المواد الغذائية ومصادرة تلك الأدوية، حفاظا على سلامة المستهلك الذي قد لا يعلم بخطورة بيع تلك الأدوية في تلك المحلات ويقوم بشرائها، وقد يعرض صحته للخطر دون علمه. وفي رد لإحدى المتسوقات التي رصدتها «عكاظ» تشتري (مسكن صداع) من أحد محال المواد الغذائية عن سبب شرائها من المحل بدل الصيدلية قالت: من باب توفير الجهد والوقت، ولو كان الموضوع فيه خطورة على الصحة، لماذا لم يمنع من قبل الرقيب. وعن بيع الأدوية بدون وصفة طبية قالت: إن لها تجربة مع ذلك، فقد كادت تفقد ابنتها بسبب عشوائية بيع الدواء، مضيفة: كانت ابنتي تختبر في السنة الثالثة ثانوي، وكانت شديدة القلق وجافاها النوم، فوصفت لها إحدى صديقاتها دواء منوما، فذهبت إلى الصيدلية وابتاعته، واستخدمت منه قرصين، وتبعتهما بقرصين آخرين، مما جعلها تدخل في سبات كاد يدخلها في غيبوبة لولا لطف الله، وأجريت لها عملية سريعة في المستشفى أنقذتها بفضل الله. من جانبهم، يعترف عدد من الصيادلة والأطباء بخطورة تلك الأدوية في ظل عدم الرقابة والإهمال، الذي ساهم في زيادة عشوائية بيع تلك الأدوية. ويقول استشاري الطب النفسي الدكتور فهد المنصور ل «عكاظ»: تفشت فوضى صرف الأدوية بين أفراد مجتمعنا، فأصبح البعض يجرب كثيرا من العقاقير بلا تحفظ، حيث يثق الكثير منهم بالصيدلاني ثقة عمياء من ناحية وصف الأدوية مهما بلغت خطورتها، ربما تهربا من دفع قيمة الكشف عند الطبيب ويعتبرها تكلفة إضافية، فهو يحصل على الدواء بشكل سريع وبأقل التكاليف، أو لقلة الوعي وانعدام الثقافة الصحية، مع تراخ واضح من جانب الجهات المسؤولة عن مراقبة الصيادلة، وفرض عقوبات رادعة تحول دون صرفهم للأدوية بغير وصفات طبية. وأضاف المنصور: إن الأدوية بشكل عام يمكن تصنيفها إلى ثلاثة أنواع: نوع يصرف بدون وصفة كأدوية الصداع مثلا، وأدوية لا بد لها من وصفة طبية مثل أدوية الضغط ومضادات الاكتئاب وعلاجات السكر والهرومونات والمضادات الحيوية، وذلك لخطورة استعمالها دون وصفات طبية، ولا يوجد عليها قيود عند وصفها، وأدوية مقيدة بشرط وجود وصفة طبية من متخصص بالطب النفسي أو العصبي أو طبيب التخدير، وهي الأدوية التي يخشى من التعود عليها. ودعا الأطباء والصيادلة إلى احترام مبادئ المهنة والقيم الأخلاقية لها، وألا ينساقوا وراء مغريات شركات الأدوية، عبر تقديم وصفات شركاتهم للمرضى، متجاهلين وضع صحتهم بعين الاعتبار، وعدم صرف أدوية لا يحتاجها المريض حيث إن هناك بعض الأعراض الجانبية التي تسببها الأدوية والعقاقير عند الإفراط في استخدامها دون وصفة طبية معتمدة، أو من خلال وصف أدوية تتعارض مع بعضها عند استخدامها من قبل المريض. إلى ذلك، أكد الصيدلي إبراهيم الشيخ أن الدواء بشكل عام مستحضر خطير لا يصح وضعه في يد من لا يحسن التعامل معه، والعشوائية في بيع الأدوية وعدم الاهتمام بتخزينها بشكل صحيح من أكبر المخاطر التي تهدد صحة الإنسان، فالبائع همه الأول والأخير هو الربح المادي، حيث لا يوفر فرصة لبيع أي دواء مهما كانت خطورته للرغبة في الكسب، وقال عن بيع الأدوية في تموينات المواد الغذائية: خطير جدا وذلك بسبب عدم توفر شروط التخزين بالنسبة للإضاءة أو البرودة فيها، حيث إن أغلبها تستخدم التبريد الصحراوي المائي، وذلك تنتج عنه زيادة عالية من الرطوبة التي تفسد غالبية الأدوية. من جهته، أكد ل «عكاظ» أحد المسؤولين في صحة البيئة فضل عدم ذكر اسمه، أن إدارته لا تقوم بمصادرة تلك الأدوية التي يتم بيعها في البقالات والمراكز التجارية، حيث لا يوجد لديهم تعاميم من وزارة الصحة تطالبهم بمصادرة تلك الأدوية ومنعها، مؤكدا أنه لا يوجد نص قانوني يمنع البقالات من بيعها. هذا وأكد المتحدث الرسمي لوزارة الصحة الدكتور خالد مرغلاني ل «عكاظ» أن الوزارة وضعت ضوابط وتنظيما واضحا لبيع الأدوية في الصيدليات، حتى أنها منعت وضع الأدوية التي لا تصرف إلا بوصفة طبية على الرفوف الخارجية للصيدلية، حتى لا تكون عرضة للحصول عليها من قبل بعض ضعاف النفوس. وعن العشوائية الحاصلة لبيع الأدوية في بعض الصيدليات المخالفة قال مرغلاني: إن ذلك تجاوز من تلك الصيدليات، وهناك عقوبات وضعت للمخالفين، كما أن الوزارة تقوم بجولات مفاجئة على الصيدليات وتعاقب المخالفين، كل على حسب مخالفته كما نص النظام الموضوع لذلك.