يعتبر الشعب الفنلندي من أسعد شعوب العالم، ويعود السبب كما قالت رئيسة الجمهورية إلى أن "وراء تطوّر وتقدّم فنلندا ثلاثة أسباب هي: أولا التعليم الجيد، وثانيا التعليم الجيد، وثالثا التعليم الجيد". ولكن السؤال: كيف يمكن الوصول إلى التعليم الجيد، ومن ثم إلى التطور والتقٌدم؟! للإجابة على هذا السؤال لابد من ملاحظة سلوك الطالب في الصباح. لابد أننا رأينا مرة ذلك الطفل الذي يجر جرا إلى المدرسة مالئا الدنيا صراخا إلى أن يجد ألا فائدة من ذلك ويرضخ للأمر، فأي تعليم يمكن أن يستفيد منه الإنسان وهو يرى في المدرسة كابوسه الذي لا ينتهي، والمكان الذي يقتل كل إبداعه ليجعل المعلم كالآلة الذي لا يخطئ ولا يناقش؟ هذا ما جعل الكثير من العائلات الغربية تتجه إلى تعليم أبنائهم في المنزل أو مدارس "المنتسوري"، والتي تتبع نظاما يسمح للطفل بالاختيار والاستقلالية، وتحترم تطوره الاجتماعي والعقلي.. أم أميركية أرسلت ابنها لإحدى هذه المدارس ولكن لظروف مادية اضطرت لإخراج طفلها وإرساله إلى مدرسة حكومية.. تقول "بعد فترة وعندما كنت آخذه من محطة الباص لاحظت بريق عينيه يبهت".. لم تذكر درجاته أو قدرة معلميه أو ترتيبه على الطلاب في الفصل، ولكنها لاحظت تلك الشعلة الفطرية التي كانت في داخله تنطفئ.. تلك المدارس الحكومية تفترض أن الطفل لا بد أن يعاقب أو يشجع على حسب قدرته على حفظ وتكرار ما يقوله المعلم، متجاهلة طبيعة البشر الفطرية على الاختلاق والإبداع. لتطوير التعليم يجب علينا مراعاة تلك القدرة لدى البشر، وتلك الفروق الفردية بينهم قبل تحويلهم إلى آلات تكرر ما تسمع فقط. في دراسة أجريت في جامعة هارفارد وجد أن 2% فقط هم ممن يعتبرون قادة أو عباقرة، ويمكن تطبيق هذا في أي بيئة تعليمية. اثنان بالمئة فقط هم المؤثرون والثمانية والتسعون إنما هم متأثرون بهم، فإذا اكتشفنا هؤلاء ال2% واهتممنا بهم لأحدث ذلك التغيير الجذري في المجتمع، لأن هؤلاء إن لم يجدوا الاهتمام فإنهم عادة يميلون إلى الانطواء والاعتزال بموهبتهم، وبذلك نكون قد خسرنا كنزا ثمينا. يمكننا أخذ مثال واقعي على ذلك، وهي العالمة اليمنية مناهل ثابت التي درست في الخارج والحاصلة على عبقرية العالم لعام 2013 عن قارة آسيا، والحاصلة أيضا على دكتوراه في الهندسة المالية، ودكتوراه في رياضيات الكم وهي لم تنه عقدها الثلاثين بعد. أتساءل لو ولدت هنا هل كانت ستكون بهذا الإبداع؟ لا أظن ذلك.. إذن فالبيئة هي الأساس بعد الموهبة، فهي قد اكتشفت عبقريتها في سن الرابعة وأدخلت برامج تسريع دراسي، بحيث أنهت الثانوية في سن الرابعة عشرة ودخلت الجامعة بعمر الخامسة عشرة. وهذا من الفروق الأساسية التي أتمنى أن تؤخذ في عين الاعتبار في تعليمنا في المملكة. لابد من إدخال التسريع الدراسي في خطتنا التعليمية واكتشاف الموهوبين منذ السنين الأولى لهم لكي نصل إلى مستوى الدول المتقدمة. نقطة أخرى مهمة وهي فهم طبيعة الطلاب، حيث إن هناك نوعين أساسيين حسب التصنيف الشهير لكارل جنج، وهما ال introverts and extroverts أو الانطوائيون والاجتماعيون.. تعليمنا يركز فقط على النوع الأول، وهم الذين لديهم قدرة كبيرة على الحفظ ومن ثم التفوق الدراسي، أما الصنف الثاني، والذين تكون اهتماماتهم عادة اجتماعية كالرياضة أو التمثيل فإنهم مهمشون، حيث لا تعتبر هذه مواد أساسية وبالعادة يعاقبون، لأنهم لا يتقيدون بالتعليمات، وينعتون بالغباء أو الفشل، ليس لأن ذلك صحيح، ولكن لم تفهم طبيعتهم لا أكثر.