في كندا، تصل درجة الحرارة في فصل الشتاء إلى 40 تحت الصفر، وهي درجة التجمد. وهذه الأيام بينما تستعد الملحقية الثقافية في أوتاوا لإقامة "حفل التخرج ويوم المهنة" للطلبة الخريجين، فإن برودة الطقس - بل تجمده - كانت خير دليل على ما يتكبده المبتعث ليشق طريقه للوصول إلى هدفه وغايته نحو النجاح، وتحقيق الذات. مئات العائلات، من آباء وأمهات قدموا قاطعين مسافة تتجاوز الساعات الأربع عشرة جواً، لمشاركة أبنائهم هذه الفرحة وهذا الإنجاز، فمن هذا الطقس البارد تخرج آلاف الأطباء، الذين يعدون الأكثر نجاحا وسط أقرانهم في المملكة، لما تتميز به دراسة الطب في كندا من معايير عالية وجودة متناهية، تصقل الطالب، وترفعه لأعلى الدرجات العلمية. لم يقف الثلج، ولا الجليد، ولا الصقيع عائقاً أما مسيراتهم وغاياتهم، فكل ذلك يذوب أمام لحظة الفرح وهم يرفعون رؤوسهم ورؤوس وطنهم وعائلاتهم، وإنما أصبحت تلك العوامل دلالة نجاح وتفان، ومكابدة للمشقة التي انتهت إلى النجاح. تلك التجربة ما هي إلا رسالة في حياة المبتعث، يحملها معه بقية حياته، لتكون حافزاً لإبداعه، ولتتحول إلى طاقة كبيرة يحرقها دفئاً في شرايين وطنه، ويخدم بها مجتمعه. برودة الطقس، إما أن يقف أمامها المرء متجمداً لا يقوى الحراك، عاجزاً، كسولاً، خاملاً، وإما أن يحولها إلى محفز يجعله يبذل كل ما يملك من جهد وطاقة، غير عابئ بما يجابه من صعوبات. البرودة تكسرها حرارة الإنجاز، والعقبة يتخطاها الأمل، والمشقة تزيحها ابتسامة أم وأب حضرا ليريا ابنهما أو ابنتهما متوجين بسلاح العلم، مستعدين لخوض المعركة، ليخرجا منها ظافرين، فسلاحهما متين، وعزمهما كبير، ولا مكان في قاموسهما للمستحيل.