يستمتع الإنسان بحياته منذ لحظات الوعي الأولى، بدءاً بمرحلة الطفولة ببراءتها وشقاوتها وأحداثها، ثم مرحلة الشباب بنزقها ومغامراتها، ثم مرحلة الرجولة بوعيها وهدوئها ومسؤولياتها، لكن المرحلة الصّعبة على الإنسان والّتي يشعر بالخوف منها، عكس المراحل الأخرى، هي مرحلة الشّيخوخة والّتي تبدأ علاماتها حينما يصل إلى الخمسين، بظهور الشّعر الأبيض أو الشّيب، حيث يعتبر الدّليل القاطع على تقدّم العمر، وقد اشتكى الشعراء كثيرا من الشّيب كقول الشّاعر: ألا ليت الشّباب يعود يوما فأخبره بما فعل المشيب! وقد قاوم الإنسان الشّيب بطريقتين الأولى: محاولة تغيير لون الشّعر الأبيض بالأسود أو الأحمر، والثّانية: محاولة التّماهي معه والاعتراف به كأمر لا مفر منه، ولذلك قام بمدح الشّيب وجعله من علامات اكتمال الرّجولة والوقار يقول الشاعر العربي: عيّرتني بالشّيب وهو وقار ليتها عيرتني بما هو عار! وفي العصر الحاضر ومع التقدّم العلمي الهائل، ظهرت عدّة وسائل اخترعها الإنسان أساسا لمقاومة تقدّم العمر وأثر الزّمان، ثم أصبحت فوائدها عامة، كالنّظارات الطبّيّة لمقاومة ضعف البصر النّاتج عن تقدّم العمر، وسماعات الأذن لمقاومة ضعف السّمع النّاتج عن تقدّم العمر، وتراكيب الأسنان لمن تساقطت أسنانهم بسبب تقدم العمر، ثم كانت المرحلة الأهم مرحلة جراحات التّجميل، حيث نجحت هذه العمليات في مساعدة الإنسان على إخفاء التجاعيد التّي يخلّفها تقدّم العمر على ملامح الوجه بالذّات! ثم كان ظهور العقاقير الجنسية مرحلة جديدة من مراحل مقاومة الإنسان لفعل الزّمان وتقدّم العمر والشعور بالعجز! ولا زال الإنسان يبذل جهودا جبّارة عبر المختبرات والبحوث للوصول لعقار يقاوم الشّيخوخة، إلا إن سنّة الله تعالى هي الماضية، والشيخوخة هي إحدى مراحل عمر الإنسان، وهي مرحلة الضعف، وأحيانا تتحول إلى أرذل العمر كما وصفها الله تعالى قال تعالى (ثم نخرجكم طفلا، ثم لتبلغوا أشدكم، ومنكم من يُتوفّى، ومنكم من يُردّ إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا)... الآية. إنّها مراحل عمر الإنسان الذّي يبدو أحيانا في صورة كبيرة من صور القوّة والتّجبّر والتّكبّر والغرور بنفسه، ثم تأتي عليه لحظات يكون فيها (هو نفسه) في صورة كبيرة أيضا، ولكن من صور الضعف والهوان والعجز، فحياة الإنسان على هذه الأرض عبرة كبيرة، فقط لمن أراد أن يعتبر.