لم يكن المشهد الثقافي السعودي بدعا عن سائر المشاهد الثقافية في العالم العربي من حيث بروز ظاهرة المعارك الأدبية والفكرية، وإنما كانت هذه المعارك امتدادا للسجالات الأدبية في العالم العربي، وتعد السجالات الدائرة بين رموز الأدب كالعقاد وطه حسين ومصطفى الرفعي وغيرهم خير شاهد على ذلك. الدكتور سليمان الشمري (الروائي وأستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود) ألقى الضوء في كتابه (دراسات إعلامية في الفلسفة والأدب) على المشهد الفكري والأدبي السعودي من خلال تطرقه للفصول الآتية : (الفلسفة في الصحافة السعودية) (المعلن والمسكوت عنه في الرواية السعودية النسائية) (دراسة في رواية بنات الرياض) (الدراسات والردود النقدية الأدبية في الصحافة السعودية). استعرض الشمري في الفصل الرابع من كتابه تحت عنوان (الدراسات والردود النقدية الأدبية في الصحافة السعودية) جانبا من المعارك في الساحة الأدبية المحلية، وهي معارك أثرت المشهد الفكري والأدبي بعدد من التصورات والرؤى وعجّلت في مسيرة الحركة الأدبية، وإن لم تخل في بعض جوانبها من الشخصنة والخروج عن إطار الموضوعية. حيث بلغت المناوشات بين الأدباء السعوديين، كما يصورها الكتاب، إلى حد "التراشق". ويأتي محمد حسن عواد من أوائل الأدباء السعوديين الذين ارتسموا خطا هجوميا في سجالاته النقدية، ومن ذلك نقده الذي وجهه لقصة "مرهم التناسي" لعبدالقدوس الأنصاري، حيث قال عن الأنصاري: "إن روحه الأدبية ليست روح روائي ولا كاتب فنان، وليعد إلى بحثه اللغوي في دائرة قواعد النحو والصرف فحسب، فإنا له شاكرون ولجهوده مقدرون". ومن المعارك الأدبية أيضا المقالة النقدية لعزيز ضياء، التي سخط فيها على كتاب "الأدب الغني" لمحمد حسن كتبي: "إن كتاب (الأدب الغني) هذا لا يحمل الشيء الذي توهمون، إن هو إلا كتاب إنشاء مدرسي لا أكثر ولا أقل". وتعد المناوشات النقدية الدائرة بين الدكتور عبدالله الغذامي والدكتور حسن الهويمل من أهم المعارك التي استند إليها الشمري في كتابه، ويعود ذلك إلى أن أهم قضية نوقشت في السجالات الأدبية كانت عن نظريتي (البنيوية والتفكيكية) التي شارك فيها الغذامي بقوة. يقول الغذامي في معرض رده على الهويمل: "والهويمل إذا أهمل، يندب حظه، يلطم وجهه، ويشق جيبه، سمع ما هو فوق طاقته وفوق تصوراته وفوق قدراته. إنه لم يزل يحفظ دروس معلميه عن أقسام الآداب. صح النوم يا دكتور. أين أنت من أطروحات ألبرتو إيكو؟ إن بحوثي منشورة بالعربية التي تجيدها، وإن كنت تلحن فيها كثيرا كما لاحظ عليك الجميع في إدارتك للجلسات". ويرد الهويمل على الغذامي "حاذقون في تشكيل الساحة الملائمة لهم وحاذقون في جر قدم الخصوم... القمامات الفنية (البنيوية) يكون في بعض مواقفه مستخزيا مستكينا، يتسلل لواذا ويتوارى من القوم بدافع من سوء فعلته، ويتمترس وراء مخدوعيه، يدافع عن نفسه بأقلامهم حين يلجمه الحق. هذا الخزي والاستكانة نتذكرهما بمواقفه المتخاذلة أمام المرحوم المليباري والأستاذ الشيباني".