يشهد عصرنا هذا تعريا غير مسبوق على عدة أصعدة محلية ودولية. تناول هذا التعري أوجهاً عديدة، في السياسة والفكر، في الحقائق والمعلومات، في الأفراد والمنظمات والدول أيضا. اشتمل على الإيجابي منها والسلبي، الحقيقي والمجازي. لقد بدأت ثورة التعري المعاصرة مع بداية "طيب الذكر" المدعو ويكيليكس، حيث مثّل التعري السياسي الإيجابي. فقد تخصص هذا الموقع في نشر فضائح ما يدور في كواليس المجالس السياسية من محادثات خطيرة كانت تدور في الخفاء، وكذلك فضح مذكرات ووثائق غاية في السرية، وقد تلقت هذه المنظمة قدراً كبيراً من الثناء والانتقاد، على حد سواء. ومن التعري ما كشفه البطل إدوارد سنودن؛ التقني الخبير والعميل السابق لدى المخابرات المركزية ووكالة الأمن القومي الأميركيتين، حين سرب تفاصيل برنامج التجسس الأميركي على البشرية قاطبة من سياسيين وشركات نفطية وشركات اتصالات ومصارف على مستوى القارات، بما فيها دول الخليج، فضلاً عن الدول الأوروبية الصديقة والعزيزة لأميركا، وكذلك الدب الروسي العدو اللدود للكاوبوي الأميركي. أعقب ذلك فضيحة تعري الرئيس أوباما، وذلك بتجسسه على الهاتف الشخصي للمستشارة والزعيمة الألمانية ميركل. وعلى صعيد التعري الحرفي، ظهرت المدعوة علياء المهدي، العام المنصرم، عارية تماما أمام السفارة المصرية في السويد، تعبيراً عن رفضها للدستور المصري الجديد. ومنه ما قام به أحد الشباب في السعودية من المجاهرة بالرقص عارياً فوق سيارة بصحبة زملاء الرذيلة في تحد خطير لمشاعر وقيم المجتمع. ومن التعري الأخلاقي ما نتج عن الربيع العربي من كشف التحالف "الإخواني- الإيراني" ومخططاته في الاستيلاء على الوطن العربي، بدعم من النظام الأميركي، بشرط الحفاظ على المصالح الأميركية وأهمها اثنتان لا ثالثة لهما: النفط والكيان الصهيوني. ومن التعري الفكري ما كشفته الأحداث الحديثة عن شيوخ ودعاة مؤثرين في الخليج العربي وتجلي انتمائهم للحزب الحاكم الإخواني إبّان عهد الرئيس المخلوع محمد مرسي- على رغم نفيهم السابق للحزبية-. فقد قام بعضهم بخطف الأضواء بالرحلات المكوكية والخطب الحماسية ثم تلتها مظاهر العزاء من بكاء وعويل وتسخط في أوساطهم بعد سقوط الحزب "الخوّاني". لقد عرّت الأحداث - مشكورة- أساليب النفاق والكذب وسقطت الأقنعة عن رموز كان مجتمعهم يرى فيهم نموذجاً فاضلاً للوضوح والمصداقية وإذا به يُفجع أمام الحقائق العارية والخديعة المبطنة. ومن التعري في المواطنة ما شهده اليوم الوطني السعودي من هجمة شرسة على موضوع الاحتفال بأهم يوم على وجه المعمورة في العصر الحديث. اللافت للنظر هنا هو الضراوة القصوى في معارضة مظاهر الاحتفال الوطني والتي لم يسبقها مثيل في السنوات الماضية، وذلك لسبب واضح لا مرية فيه وهو الموقف السياسي السعودي المعارض للحزب الإخواني، الأمر الذي جعل الممانعين يصعّدون موقفهم هذه السنة تحديداً وكأن الحكم الشرعي لم يتبين لهم بوضوح إلا اليوم! التعري والتجرد بمعنى واحد تقريبا، بيد أنه في الثانية مقبول نوعياً، لكونه ينصرف للحالة الإيجابية. فالتجرد إيجابي لأنه يوحي بالحيادية والعدل وعدم التعصب بشتى صوره، لكن التعري ليس دنيئاً في كل أحواله، فقد يكون جزءاً مهماً في تشخيص الحالة كالتعري الجزئي والكامل عند الطبيب. وكذلك الحقيقة الصريحة النقية من الشوائب تسمى الحقيقة العارية. وحين تكون الحقائق عارية يتجلى الصدق من الكذب والنفاق، على رغم ممانعة الممانع، لكون ذلك تعارضاً مع مصالحه الشخصية، وبالتالي تسقط عباءة الفضيلة المزيفة فتبدو سوءته بعد أن كان في بحبوحة لا يظمأ فيها ولا يجوع ولا يعرى.