تحتفل العديد من دول العالم خلال شهر نوفمبر الجاري باليوم العالمي للجودة الذي تم إقراره واعتماده ضمن قائمة الأيام العالمية المختلفة؛ ليكون ثاني يوم خميس من كل شهر نوفمبر من العام الميلادي, مثل غيره من الأيام العالمية فإن الهدف الأساس لإقامة هذا اليوم هو التذكير بأهمية الجودة كقضية وطنية ومطلب اقتصادي هام لابد من العمل على تحقيقه من أجل الارتقاء بجودة المنتجات والخدمات، وإسعاد المستهلكين وتحقيق متطلباتهم بل وإبهارهم بقيمة مضافة تفوق توقعاتهم, وتمثل مثل هذه المناسبة فرصة هامة للمهتمين والخبراء في مجال الجودة والتميز لأن يبرزوا الدور الهام الذي يمكن أن تلعبه الجودة وتطبيقاتها الحديثة في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للمنظمات بمختلف أنواعها، والمساعدة في النمو وتحقيق الأرباح والقدرة على المنافسة في عالم يشهد اليوم انفتاحاً اقتصادياً واجتماعياً لم يشهد التاريخ له مثيلا. وتشارك المملكة العربية السعودية دول العالم في هذه المناسبة كل عام من خلال تبني المجلس السعودي للجودة بالمنطقة الغربية وبالتعاون مع الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة إقامة الأسبوع الوطني للجودة، الذي وصل وبحمد الله وتوفيقه ثم بدعم وتشجيع قيادتنا الحكيمة إلى دورته السادسة؛ لتكون المملكة من أوائل دول منطقة الشرق الأوسط اهتماما باليوم العالمي للجودة، ولا غرابة في ذلك إذا عرفنا أن بلادنا الغالية تملك الريادة والأسبقية في إطلاق وتأسيس جمعيات ومجالس الجودة في العالم العربي؛ حيث يعتبر المجلس السعودي للجودة أقدم وأول جمعية مهنية للجودة في العالم العربي؛ حيث يحتفل هذا العام بمرور 20 عاما على تأسيسه وانطلاق فعاليته الرامية إلى نشر ثقافة الجودة بالمجتمع السعودي، وتشجيع الأفراد والمنظمات الحكومية والخاصة على تبني مفاهيم وبرامج الجودة والتميز المؤسسي. وتتضمن فعاليات الأسبوع الوطني السادس للجودة هذا العام التي تقام خلال الفترة من 9 إلى 15 نوفمبر 2013 العديد من المحاضرات والندوات وورش العمل المتخصصة؛ التي تتوزع في أكثر من 10 مدن سعودية؛ حيث تتنوع المواضيع وتتمحور حول الجودة والتميز المؤسسي وبما يشمل العديد من قطاعات الأعمال، ومنها التعليم العام والعالي والصحة وكذلك القطاع الهندسي والإنشاءات وغيرها من القطاعات الحيوية في بلادنا الغالية, كما حمل هذا الأسبوع شعاراً مماثلاً للشعار الذي تم اعتماده عالميا وهو "التعاون: يصنع الفرق"، وهو شعار يذكر بأهمية العمل الجماعي والتعاون بين الأفراد والمنظمات من أجل تحقيق الأهداف النبيلة التي تسعى برامج الجودة والتميز إلى تحقيقها على مستوى الفرد والمنظمة والمجتمع. ولعل من المفيد هنا ونحن نتحدث عن الأسبوع الوطني للجودة أن نستذكر ما هي الجودة وكيف يتم تحقيقها, فالجودة بكل معانيها ومفاهيمها وتطبيقاتها تدور وتتمحور حول تلبية وتحقيق متطلبات العميل أو المستفيد، فالجودة في أبسط معانيها تعني مطابقة المنتج أو الخدمة للمواصفات التي تم تحديدها لتلبية احتياجات المستفيدين، وهي تعني كذلك خلو المنتج أو الخدمة من العيوب، فيتحقق بذلك رضا المستفيد، كما تعني الجودة أن تقوم المنشأة بالعمل الصحيح الذي يحقق القيمة المضافة للمستفيدين وبالطريقة الصحيحة التي تقلل الفاقد وإعادة العمل وتوفر الوقت والتكاليف، وتبسط الإجراءات وتقلص الروتين، وأن يتم ذلك من أول مرة وفي كل مرة يحصل فيها المستفيد على المنتج أو الخدمة من المنشأة. لقد خطت بلادنا الحبيبة خطوات إيجابية وملموسة في طريقها نحو الاهتمام بالجودة، وتم إطلاق العديد من المبادرات والمشاريع والبرامج والجوائز الهادفة إلى رفع مستوى جودة منتجاتنا وخدماتنا المحلية وقدرتها على المنافسة في الأسواق المحلية والعالمية, ولعل من أهم هذه المبادرات إعلان الرؤية الوطنية للجودة 2020 التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -يحفظه الله- في المؤتمر الوطني الرابع للجودة، الذي صاحب كذلك تدشين إطلاق مشروع تطوير الاستراتيجية الوطنية للجودة، وهو مشروع حيوي وهام لجعل الجودة قضية وطنية واقتصادية تتطلب تضافر الجهود من كافة المسؤولين وقادة القطاعات الحكومية والخاصة بالمملكة لتبني برامج ومواصفات ومعايير الجودة ذات العلاقة بالقطاعات التي يتولون مسؤوليتها، وهنا سيحدث الأثر والفرق المطلوب إحداثه للنهوض بمنتجاتنا وخدماتنا الوطنية لتحقق الرؤية الوطنية للجودة التي تنص على أن "المملكة العربية السعودية بمنتجاتها وخدماتها معيار عالمي للجودة والإتقان في عام 2020". وإذا تحدثنا عن الجودة بالمملكة فلابد أن نعرج على الدور الهام الذي تقوم به الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة بصفتها الجهة الحكومية الرسمية والمناط بها مسئولية الجودة وما يتعلق بها في مملكتنا الحبيبة ويتمثل هذا الدور في تطوير وإصدار المواصفات القياسية السعودية والتي تعتبر ركناً أساسياً في معادلة تحقيق الجودة ومتطلباتها كما أن تبني الهيئة لمشروع تطوير الاستراتيجية الوطنية للجودة 2020 وبالتعاون مع كافة القطاعات بالدولة سيمثل تحولاً ايجابياً وهاماً في مسيرة الهيئة ودورها الحيوي لتحقيق الرؤية الوطنية للجودة والارتقاء بجودة منتجاتنا وخدماتنا المحلية للوصول إلى المستوى العالمي وهذا ليس مستحيلاً على بلادنا الغالية إن شاء الله وهي تملك كافة مقومات النجاح لتحقيق هذا الحلم الوطني الكبير. وتشهد السعودية وفي الكثير من قطاعات الأعمال بها في هذه المرحلة حراكاً ايجابياً نحو تبني الجودة فكراً وتطبيقاً يعززه اهتمام ودعم القيادة الرشيدة لهذا التوجه الحيوي وإلهام لاقتصادنا الوطني, ولعل من أبرز ملامح هذا الاهتمام إطلاق جائزة الملك عبدالعزيز للجودة وهي تمثل النموذج الوطني للجودة بالمملكة والتي نرجو أن تكون يوماً ما المحرك الأساسي للجودة والتميز المؤسسي بقطاعات الاعمال المختلفة بالمملكة على غرار الدور الذي تلعبه جوائز الجودة الوطنية في دول العالم المتقدمة, كما تمثل الرعاية الكريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين للمؤتمرات الوطنية للجودة حدثاً وطنياً هاماً يساهم في نشر وتعزيز ثقافة الجودة بالمملكة وأصبح محفلاً يلتقى فيه كافة المهتمين بالجودة وخبرائها المحليين لتبادل المعرفة وأفضل الممارسات في مجال الجودة وتطبيقاتها الحديثة, وفي هذا السياق كان ظهور العديد من جوائز الجودة والتميز المحلية وفي مختلف مناطق المملكة ظاهرة ايجابية ساهمت وتساهم في تفعيل هذا الحراك الايجابي وتشعل فتيل المنافسة الشريفة لتقديم أفضل وأيسر الخدمات بين مختلف الدوائر الحكومية والخاصة من أجل اسعاد المواطن والمقيم في هذا البلد المعطاء, كما لا يفوتني أن أشيد بالدور الهام الذي تلعبه برامج الاعتماد الصناعي والصحي والتعليمي في المملكة حيث تساهم في نشر وتعزيز مفاهيم ومتطلبات تحقيق الجودة والاهتمام بالمستفيدين والارتقاء بجودة العمليات والآليات التي تقدم من خلالها الخدمات والمخرجات الخاصة بكل قطاع وحسب معايير عالمية المستوى تساعد في الاعتراف العالمي المتبادل لمخرجات منشأتنا المحلية المختلفة. لقد أسهم المجلس السعودي للجودة ومن خلال جهوده المتواصلة دون كلل أو ملل خلال مسيرته التي قاربت العشرين عاما ولازال يسهم في نشر ثقافة الجودة ومفاهيمها وتطبيقاتها الحديثة لكافة قطاعات المجتمع وأطلق خلال مسيرته عدداً كبيراً من المبادرات والبرامج والجوائز التي تدعم مسيرة الجودة ببلادنا الحبيبة وكل ذلك يتم من خلال منظومة رائعة من المتطوعين الذين تبنوا الجودة كرسالة وطنية لإدراكهم العميق بأهميتها وحاجة المجتمع لهذه الثقافة الراقية والتي تنبع أصولها من ديننا الاسلامي الحنيف والذي حثنا وشجعنا على الاتقان والإحسان وتبني المبادئ الاساسية للجودة كالرقابة الذاتية والعمل الجماعي والتعاون والتحسين المستمر. لابد من الإشارة إلى أهمية أن يبادر الجميع كأفراد ومسؤولين إلى تبني الجودة كقضية وطنية هامة ستسهم في الارتقاء باقتصادنا الوطني وتحافظ على مكتسباتنا الوطنية وتمكن منتجاتنا وخدماتنا المحلية من المنافسة والوصول إلى العالمية, كما أنه من المهم الإشارة إلى أهمية أن يتم تبني الجودة ومفاهيمها كمواد تدرس في مناهج التعليم المختلفة بمدارسنا وجامعاتنا مما سيساعد على تخريج أجيال حريصة على الجودة تسهم في قيادة منظماتنا المحلية نحو تحقيق الرؤية الوطنية للجودة بإذن المولى القدير.