إن اعتذار المملكة العربية السعودية عن عضوية مجلس الأمن، بعد أن فازت بها لتمثيل المجموعة الآسيوية كعضو غير دائم في مجلس الأمن لمدة عامين جاء تعبيرا صادقا عن خيبة أملها تجاه دور مجلس الأمن في القيام بواجباته وتحمل مسؤولياته في حفظ الأمن والسلم العالميين بالشكل المطلوب والتي حدد البيان الصادر عن وزارة خارجية المملكة العربية السعودية أسبابها في أسلوب وآليات العمل وازدواجية المعايير الحالية في مجلس الأمن, في إشارة واضحة إلى ممارسات الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس والقائمة أساسا على تبادل المنافع والمصالح الذاتية فيما بينها, والاستغلال السيئ لحق النقض (الفيتو) الذي طالما وقف عائقا أمام حل العديد من القضايا وإدامة الأزمات والصراعات الإقليمية والدولية، بل وتعقيدها. كما أن هذا الموقف المشرف الذي اتخذته المملكة العربية السعودية والذي حظي بدعم وتأييد وتفهم العديد من الدول الأعضاء في الأممالمتحدة بما فيها فرنسا العضو الدائم في مجلس الأمن، يعد رسالة قوية وجادة إلى المجتمع الدولي تجاه تعاطي منظمة الأممالمتحدة ومجلس الأمن على وجه خاص مع القضايا الإقليمية والدولية التي حددها بيان وزارة الخارجية المشار إليه في القضية الفلسطينية التي فشلت منظومة الأممالمتحدة فشلا ذريعا طيلة أكثر من ستين عاما في إيجاد الحل العادل لها، إضافة إلى عجز هذه المنظومة في جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من جميع أسلحة الدمار الشامل سواء بسبب عدم قدرته على إخضاع البرامج النووية لجميع دول المنطقة دون استثناء للمراقبة والتفتيش الدولي أو الحيلولة دون سعي أي دولة في المنطقة لامتلاك الأسلحة النووية، في إشارة إلى الكيان الصهيوني وإيران, إضافة إلى موقف مجلس الأمن المتخاذل تجاه الأزمة السورية الطاحنة والتي تسببت في مقتل أكثر من مئة ألف قتيل وملايين من النازحين واللاجئين، وعجزه المطلق عن إجبار النظام السوري على وقف الحرب الشرسة التي يشنها على شعبه لم يتورع فيها عن استخدم كافة أنواع الأسلحة بما في ذلك الأسلحة الكيماوية، الأمر الذي اضطر مجلس الأمن إلى عملية قيصرية تمت باتفاق بين الولاياتالمتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية، والذي اختزلت فيه الأزمة ومعاناة الشعب السوري في استخدام النظام للأسلحة الكيماوية المحظورة أصلا. وبعد هذا الموقف الشجاع والمسؤول الذي حرك المياه الراكدة في المجتمع الدولي نحو أهمية تفعيل دور مجلس الأمن وضرورة إصلاح أساليب وآليات ومعايير عمله, ومن أجل استمرار الزخم الكبير الذي لقيه هذا الموقف غير المسبوق، فإنه من الأهمية أن تنظر المملكة العربية السعودية في الدعوات التي ناشدتها بقبول عضوية مجلس الأمن، ومواصلة طرح رؤاها من خلال عضويتها فيه، مستثمرة في ذلك ما تملكه من تقدير واحترام دوليين، وما تحظى به سياستها من دعم ومساندة وتأييد من محيطها الإقليمي المتمثل في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والجامعة العربية وكذلك في إطار دورها المهم والكبير في منظمة التعاون الإسلامي، التي تبنت موقف المملكة العربية السعودية بشأن إصلاح منظمة الأممالمتحدة ومجلس الأمن خلال الجلسة المشتركة التي عقدت بين المنظمة والمجلس في نيويورك مؤخرا، لبحث التعاون بين المنظمتين حين طالبت منظمة التعاون الإسلامي بأن يضمن أي إصلاح لمجلس الأمن تمثيلا ملائما للسبع والخمسين دولة الأعضاء في المنظمة، كما أن وجود المملكة في عضوية مجلس الأمن في ظل الظروف الدقيقة والحرجة التي تمر بها أمتنا العربية والإسلامية سيكون ذا أهمية كبيرة حيث مازال مجلس الأمن رغم الخلل الذي يعتري أساليب ومعاير عمله محفلا دوليا مهما تشكل قراراته أدوات ملزمة ومؤثرة في سير القضايا الدولية. وإننا على ثقة تامة بأن المملكة العربية السعودية وحكمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وحنكة وخبرة ودراية متخذي القرار فيها وعلى رأسهم وزير خارجيتها وعميد الدبلوماسية الدولية الأمير سعود الفيصل، وانطلاقا من واجبها الوطني والعربي والإسلامي قادرة على اتخاذ كل ما من شأنه مواصلة دورها الرائد وتحمل مسؤوليتها تجاه القضايا العربية والإسلامية وتعزيز دور أجهزة منظمة الأممالمتحدة التي هي عضو مؤسس وفاعل فيها.