يوم ثان عاصف من ردود الأفعال المؤيدة لموقف المملكة واعتذارها عن عدم قبول عضوية مجلس الأمن الدولي. هذه المرة جاء الرد خليجيا وعلى لسان أمين عام مجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني الذي أعلن تأييد الدول الست لدعوة الرياض لإصلاح مجلس الأمن. وبينما رحبت قوى المعارضة السورية والسلطة الوطنية الفلسطينية وقطر والبحرين بموقف المملكة، حضتها المجموعة العربية بالأممالمتحدة على العودة عن رفضها لمقعد مجلس الأمن. وقال وزير الإعلام الكويتي السابق سعد بن طفلة ل"الوطن" إنه لم يستغرب الاستهجان الروسي لخطوة المملكة على اعتبارها من الدول المستفيدة من حق النقض "الفيتو"، مؤكدا أنه ينطبق عليها المثل الشعبي "ما يمدح السوق إلا من ربح فيه". ومن مصر، سجل تأييد واسع لموقف المملكة. وقال رئيس حزب النصر محمد صلاح زايد إن المملكة تفهمت مضمون دعوتها لشغل المقعد في هذا التوقيت، ورفضت أن تكون شريكا في المؤامرة التي تحاك ضد الشعب السوري، داعيا إلى تحول هذا الموقف إلى موقف عربي وإسلامي، فيما استبعد عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير رخا أحمد أن تقبل أي دولة خليجية أن تكون بديلا للسعودية منعا للحرج. لم تهدأ العاصفة التي أحدثها اعتذار الرياض عن عدم قبول عضوية مجلس الأمن "غير الدائمة"، لليوم الثاني على التوالي، فبعد موقفي "باريس" و"أنقرة" الداعمين للاعتذار السعودي، سجلت الدول الخليجية تأييدها للدعوة التي وجهتها المملكة؛ لإصلاح مجلس الأمن الدولي، ولحقها العديد من الدول العربية كذلك. وفيما اعتبر الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني، موقف المملكة أنه يأتي من منطلق تمسكها بالشرعية الدولية ورغبتها الصادقة في تفعيل مجلس الأمن، قال وزير الإعلام الكويتي السابق سعد بن طفلة: إن الموقف السعودي ناجم عن حالة اللامبالاة، التي تعيش فيها المؤسسة الدولية. سعد بن طفلة، وفي حديث هاتفي مع "الوطن": جزم بأن موقف الرياض واعتذارها عن عدم قبول عضوية مجلس الأمن، جاء كرد فعل على تخبط الإدارة الأميركية وضياع بوصلتها في المنطقة، وتباين مواقفها تجاه الأحداث. وتابع بالقول: "واشنطن تضغط على مصر من أجل ما يسمى بالحرية والديموقراطية، وتتجاهل مذابح البشر وإعداماتهم في النظام بالعراق، الذي أوجدته الإدارة الأميركية. ومن ثم تهدد بضرب النظام السوري بعد استخدامه الأسلحة الكيماوية، وبعدها تكتفي باتفاق ثنائي مع روسيا على تفكيك السلاح الكيماوي، وكأنه الوحيد الذي يستخدم في قتل الشعب السوري على مدار عامين ونصف". وأجاب وزير الإعلام الكويتي السابق عما يدور في أذهان المراقبين من أسئلة، حول الأسباب التي نحت بالمملكة إلى الترشح لعضوية مجلس الأمن، ما دام أنها ستعتذر عنه في نهاية المطاف، ورد على ذلك بالقول: "الحقيقة أن المملكة سعت إلى أكثر من ذلك، فهي كانت تسعى إلى أن يكون هناك صوت عربي وإسلامي دائم في مجلس الأمن، ودولة مثلها هي أحق أن تتبوأ ذلك المقعد لكونها قوة اقتصادية عبر مكانتها في مجموعة العشرين، ولذلك حينما تقدمت بالعضوية كان لديها أمل أن يتغير النظام الدولي لكن حالة اللامبالاة، التي انطبعت عن مجلس الأمن وخاصة في القضية السورية، لا يمكن القبول بها دون أن يخضع المجلس لإصلاحات تؤهله للقيام بدوره المطلوب". وعن الاستنكار الروسي لموقف المملكة، واعتذارها عن العضوية بعد أن حصلت عليها، قال الوزير الكويتي السابق: "لدينا مثل شعبي يقول ما يمدح السوق إلا من ربح فيه. والاستهجان الروسي له حق النقض (الفيتو)، ولذلك هي مستفيدة من بقاء الحال على ما هو عليه". ورأى ابن طفلة، أن الموقف السعودي تجاه عضوية مجلس الأمن، هو قرار تاريخي ومهم وغير مسبوق ورسالة قوية من دولة قوية بحجم المملكة. وأضاف: "صحيح أنها حاولت أن تكون عضواً بمجلس الأمن وأن يكون هناك صوت عربي وإسلامي دائم وليس مرحلياً، ولكن في وقت لم يكن مجلس الأمن قد وصل إلى هذه الدرجة من الانحدار بعدم القيام بدوره في إيقاف الحروب، وفرض القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن، فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي وأيضا فيما يتعلق بمأساة الشعب السوري، التي يتفرج عليها المجتمع الدولي، ويصدر القرارات من أجل نزع السلاح الكيماوي فقط، وليس لتخليص الإنسان السوري من مآسيه ونكبته". وعلى الصعيد الخليجي، أكد الأمين العام لمجلس التعاون الدكتور عبداللطيف الزياني، أهمية مطالبة المملكة بتحقيق إصلاح جوهري في نظام مجلس الأمن، بما يدعم دوره كونه جهاز الأممالمتحدة المسؤول عن كل التبعات الرئيسة لقضايا السلم والأمن العالميين، خصوصاً أن عالمنا اليوم بحاجة ماسة لدور مجلس الأمن، وشرعيته الدولية في ظل اتساع حالات الاضطراب السياسي والأمني فيه. وقال: "إنه بالرغم مما تحمله عضوية مجلس الأمن من مكانة دولية، فإن اعتذار المملكة عن قبول عضوية المجلس بسبب عجزه عن أداء واجباته وتحمل مسؤولياته خصوصا تجاه قضايانا العربية، ينطلق من اهتمام المملكة التاريخي بهموم وقضايا أمتها العربية، وباستقرار جوارها الإقليمي، كما ينطلق أيضا من اهتمامها بالقضايا الدولية والاستقرار العالمي، الذي يضطلع مجلس الأمن بالمسؤولية الرئيسة في شأنه"، فيما أوضح أن موقف الرياض يعبر عن تمسكها بالشرعية الدولية، ورغبتها الصادقة في تفعيل دور مجلس الأمن، وأجهزة الأممالمتحدة ومؤسساتها المختلفة، بما يحقق الدعوات العالمية في هذا الشأن، ويجعل العالم أكثر تعاوناً وأمناً واستقرارا. من جهة أخرى، يعتبر رفض المملكة شغل مقعدها في مجلس الأمن الدولي خطوة غير مسبوقة في تاريخ هذه المؤسسة الدولية. وأكد المتحدث باسم الأممالمتحدة مارتن نسيركي "إن عدنا بعيدا إلى الوراء لا نرى أي حالات مماثلة لهذه الحالة". وقال "حتى زملائي في مجلس الأمن أو في الجمعية العامة ممن تعود ذاكرتهم إلى ماض بعيد لا يتذكرون مثل هذا الحدث"، حيث إن دولة منتخبة في المجلس ترفض شغل مقعدها. وفي مرتين فقط في تاريخه اضطر مجلس الأمن المؤلف من 15 عضوا، 10 منهم غير دائمي العضوية، للعمل ب14 عضوا، وذلك في 1950 عندما مارست موسكو العضو الدائم سياسة الكرسي الشاغر، وفي 1980 عندما لم يكن ممكنا الفصل بين دولتين مرشحتين من أميركا اللاتينية (كوبا وكولومبيا). ويجدد مجلس الأمن كل سنة خمسة من أعضائه العشرة غير الدائمين، ينتخبون لسنتين. ويجري الانتخاب على أساس مناطقي. كل منطقة تختار مرشحا تصادق عليه مبدئيا الجمعية العامة للأمم المتحدة في الخريف (ليبدأ مهامه في الأول من يناير التالي). لكن يتوجب أن يحصل المرشح على 129 صوتا على الأقل من الدول الأعضاء ال193. وهذا النظام أدى إلى حصول منافسات لا متناهية بين مرشحين من أميركا اللاتينية بلغت حدا قياسيا في انتخابات 1979 عندما لم تتمكن كولومبيا وكوبا من الحصول على العدد المطلوب رغم 154 دورة اقتراع. واختيرت في نهاية المطاف المكسيك كمرشح تسوية وانتخبت في الدورة ال155. لكن مجلس الأمن اضطر للعمل في ذلك الأثناء ب 14 عضوا خلال أسبوعين. وفي 1950 في خضم الحرب الباردة قررت روسيا في ظل حكم ستالين، أن تترك مقعدها الدائم شاغرا خلال أسبوعين. وكانت تريد بذلك ممارسة الضغط لكي يعود مقعد الصين للحكومة الشيوعية الحاكمة في بكين، فيما كانت الصين في تلك الآونة ممثلة في الأممالمتحدة من قبل القوميين كيومينتانغ، الذين استقروا في تايوان. وكانت موسكو تعتقد أنها تجمد بذلك عمل المجلس لكن الأعضاء الآخرين تجاوزوا قرارها ثم عادت موسكو لشغل مقعدها في أغسطس 1950. خبراء مصريون ل"الوطن": رفض المملكة "صفعة" للعضوية الدائمة أكدوا أن القرار استكمال لمواقف خادم الحرمين التاريخية القاهرة: هاني زايد ثمّن عدد من الخبراء الاستراتيجيين المصريين القرار الذي اتخذته المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، برفض شغل مقعد غير دائم بمجلس الأمن، وذلك في سابقة هي الأولى من نوعها. وأكد عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير رخا أحمد حسن، أن اعتذار المملكة عن عضويتها بمجلس الأمن كعضو غير دائم، هو الأول من نوعه في تاريخ المجلس، وجريء وله مفهوم سياسي. وأضاف رخا أن "الأسباب التي سردتها السعودية في اعتذارها عن قبول العضوية بعد انتخابها منطقية وحقيقية، وقد تفتح المجال لبعض الدول الإقليمية لاتخاذ مواقف مشابهة. فالسعودية كانت ستمثل بمجلس الأمن بصفتيها كدولة عربية وآسيوية، ولن تقبل أي دولة من دول مجلس التعاون أن تكون بديلا للسعودية بالمجلس منعاً للحرج، خاصة وأن الموقف السعودي يدل على حالة عدم الرضا العربية على مواقف مجلس الأمن، الذي بات يعمل بازدواجية في المعايير وتحول دون قيامه بأداء واجباته وتحمل مسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلم العالميين على النحو المطلوب، الأمر الذي أدى لاستمرار اضطراب الأمن والسلم وفقاً لما ذكرته السعودية في أسباب اعتذارها عن تلك العضوية. وربطت المملكة اعتذارها عن المنصب ببقاء القضية الفلسطينية دون حل عادل لخمسة وستين عاما، وكذلك فشل مجلس الأمن في جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من جميع أسلحة الدمار الشامل سواء بسبب عدم قدرته على إخضاع البرامج النووية لجميع دول المنطقة دون استثناء للمراقبة والتفتيش الدولي أو الحيلولة دون سعي أي دولة في المنطقة لامتلاك الأسلحة النووية، فضلاً عن السماح للنظام الحاكم في سورية بقتل شعبه وإحراقه بالسلاح الكيماوي على مرأى ومسمع من العالم أجمع ودون مواجهة أية عقوبات رادعة، وكلها عوامل اعتبرتها المملكة دليلاً ساطعا على عجز مجلس الأمن عن أداء واجباته وتحمل مسؤولياته". من جانبه، أشار المنسق العام للجمعية الوطنية للتغيير أحمد بهاء الدين شعبان، إلى أن اعتذار السعودية عن العضوية يعد موقفاً ثوريا خاصة وأن مجلس الأمن مهيمن عليه من قبل الدول دائمة العضوية، التي تفرض مصالحها ورؤيتها على المجتمع الدولي، فتمر من خلالها مئات المواقف المعادية لمصالح الشعوب. وأضاف أن "الموقف السعودي غير المسبوق يعتبر نوعاً من الاحتجاج على تصرفات مجلس الأمن، خصوصا وأن العضوية غير الدائمة لا تقدم للسعودية شيئاً ولا تؤخر، وبالتالي فتسجيل الموقف أمام المجتمع الدولي أقوى بكثير من قبوله، وجرت العادة على أن كل الدول تقبل بتلك العضوية، لكن المملكة رأت ذلك نوعاً من الاحتجاج على عدم إصلاح شؤون المنظمة الدولية، كما أنها وجدت في الرفض اعتراضاً على العضوية الدائمة لبعض الدول، وتوظيفها لحق الفيتو لتعطيل حل المشكلات بشكل عادل. وهكذا نجد أن الفيتو يقف حائلاً لتحقيق العدالة الدولية، لذلك فإن عضوية المجلس في مثل هذه الظروف لا جدوى منها". كما ربط نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عماد جاد، بين الرفض السعودي ومواقف الإدارة الأميركية تجاه القضايا العربية، معتبرا "الرفض صفعة للسياسة الأميركية، واستكمالا لموقف المملكة التاريخي في دعم الشعب المصري". وأضاف أن "إدارة أوباما ستدفع ثمنا غاليا لمساندتها جماعة الإخوان، ولعنة المصريين انتقلت من الشأن الداخلي إلى الشأن الخارجي وأصابت أوباما في مقتل"، مشيراً إلى أن "وقوف الولاياتالمتحدة ضد مصر في محاربتها للإرهاب كان أمراً متناقضاً خاصة وأنها تدعو دائما لمحاربة الإرهاب في العالم، فضلاً عن أنه إذا كانت الدول الأعضاء بالأممالمتحدة تعتبر الظفر بعضوية مجلس الأمن شرفاً رفيعاً ومسؤولية كبيرة لكي تشارك على نحو مباشر وفعال في خدمة القضايا الدولية، فإن المملكة ترى أن أسلوب وآليات العمل وازدواجية المعايير تحول دون قيام المجلس بأداء واجباته". وفي السياق، اعتبر رئيس حزب النصر الصوفي محمد صلاح زايد، أن الموقف السعودي مشرف ويعد صفعة جديدة للغرب، مضيفاً أن "رفض السعودية لشغل المقعد يعني رفضها التآمر على تقسيم الدول العربية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد، وعدم حل القضية الفلسطينية، خاصة وأن مجلس الأمن تتزعمه الدول الكبرى دائمة العضوية بزعامة الولاياتالمتحدة، وتربطهم المصالح المشتركة، ويكرس الهيمنة الاستعمارية على دول العالم الثالث من خلال إسرائيل. والملك عبدالله بن عبدالعزيز، قرأ الرسالة جيدا، وتفهم مضمون الدعوة لشغل المقعد في هذا التوقيت بالذات، ورفض أن يكون شريكا في المؤامرة التي تحاك ضد الشعب السوري، وعلى المجتمع العربي والإسلامي تأييد ودعم موقف المملكة القوي ليصبح الرفض من جميع الدول العربية والإسلامية للمجلس".