يؤكد النقد المعاصر على قيمية العنوان في النص الأدبي المعاصر من حيث إنه" يحدد هوية النص ويشير إلى مضمونه، كما يغري القراء بالاطلاع عليه في رأي محمد بازي"، لكن نص الصيخان يسجل ابتداء سيميائية الغياب في هذا النص المنشور على الفيس بوك، وهو غياب لا يبدو أنه اعتباطي فهو حاضر في النشر الإلكتروني على مواقع أخرى على الشبكة؛ حيث أطلق على النص عنوان (طيبة) في موقع أدب الإلكتروني، لكن الشاعر يبدو أنه آثر الغياب لتحقيق ما يعرف بحضور الغياب كما يسميه أحمد الصادقي؛ حيث قصد فيما يبدو أن يعطي مساحات أمام المتفاعلين المتابعين لصفحته وشعره ليستمروا في متابعة القراءة لحين الوصول لاستنبات عنوان شخصاني يبدعه المتلقي من خلال حيثيات النص. وهو كما ورد على صفحة الشاعر على الفيس بوك: https://www.facebook.com/photo.php?fbid=1750534339040&set=pb.1709310842.-2207520000.1356775445&type=3&theater&refid=12 بِالأمْسِ عُجْتُ على القِبابِ أزُورُها وأشُمُّ عطرًا عالقًا بِقِبابِ ووقفتُ بالقبرِ العظيمِ أعُودُهُ وبِجِيْرَةِ الصِّدِيقِ والخَطَّابِ الخيرُ يَثوي والعَدَالةُ والنَّدَى لكنَّها أحيتْ حَدِيثَ صَحَابِي ألصقتُ وَجْهي بالسِّياجِ أشُمُّهُ وبكيتُ بين القبرِ والمِحْرابِ لمَّا ذكرتُ حُشاشةً قد ودّعَتْ منِّي ومالتْ زَهْرتِي(*) لِغِيابِ يتبدى العنوان المستتر في مطلع الأبيات مرثية مخضلة بالدمع على أمه، لكن حزنه ذاك يستدعي حزنا أكبر وهو حزنه على فراق سيد الثقلين محمد صلى الله عليه وسلم: يا سيد الثقلين جئت مبشرا ...بالحب لا بمعارك وحراب. إن تفضيل الشاعر الغياب للعنوان في نشره على الفيس يشي بعلامة سيميائية رامزة إلى رغبة الشاعر في فتح أفق العنوان لأقصى مدى ممكن ورغبة ذاتية في تشظي العنوان في وعي المتلقي بين عنواني (مرثية فاطمة، مرثية سيد الثقلين) التي جمعها في عنوان غاب في نشره على الفيس وهو عنوان (طيبة)، وهي رغبة أيضا في اجتذاب المتلقي لحرم القصيدة؛ يقول أحد المعلقين على الفيس بوك رابطا النص بالرسول الكريم (اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. جزاك الله سبحانه وتعالى خيرا أستاذنا الفاضل ونفعك عز وجل بها وكتب لك بها الأجر يوم لا ينفع مال ولا بنون .آمين) في حين يقول ثان في التشظي الثاني للعنوان رابطا النص بأم الشاعر رحمها الله: "بارك الله في إبداعك الجميل ورحم الله أموات المؤمنين جميعا.(أمي اسمها زهرة أيضا). ويقول ثالث: " رائعة القصيدة والأروع منها التي قلتها فيها.إنها السيدة الحسيبة النسيبة الشريفة الزهراء.نعم أتذكرها جيدا أبا أحمد كانت أما رؤوما ذات عقل حصيف" والبعض الآخر من المعلقين ينتحي بالعنوان منحاه الذي سمى به الشاعر قصيدته في نشره المكتوب، فيقاربها من المكان (طيبة) يقول أحدهم: "هذا ما يليق بطيبة من نور الكلام وسناه ..اللهم صل وسلم وبارك على الحبيب المصطفى). وهكذا رأينا أن الغياب في العنوان قد فتح النص على آفاق قد يكون الشاعر قصد إليها، ليقرب النص من أمه التي جعل لها حضورا في جملة من مطلع قصيدته، وذيل بهامش يحيل النص لها .في حين أن عنوانه الذي ارتبط بالنص في مواقع النشر المختلفة للقصيدة (طيبة) قد لا يحيل إلى أمه كمعطى مهم عند الشاعر وفي النص. وفي تقنية الفيس بوك ذات البعد الاجتماعي الشعبي لا يقف بين المتلقي وبين التجربة سوى ضغطة واحدة على لوحة المفاتيح في الجهاز الذي يقرأ منه ليسجل انطباعه بإعجاب وصل مع نص الصيخان إلى عدد تجاوز (95) خمسة وتسعين معجبا، ووصلت التعليقات إلى عدد كبير أيضا، وحين تقرأ هذه التعليقات تجد أنها تحقق التفاعلية الشعبية تماما؛ من حيث إنها تنقل لك انطباعات لأدباء ومثقفين يتخيرون صحيح الألفاظ والعبارات واللمحات النقدية المهمة، في حين يتدنى بعضها لتجده مثقلا بإعجاب ارتقى مع المتلقي لتسجيل تعليق يكشف خللا وأخطاء لغوية تحقق -برغم سلبيتها- الجانب التفاعلي الذي تحييه هذه التقنية. تخير الصيخان حضور الصورة الشعرية دون الصوت في النشر هنا لغايات سيميائية في المستكن الذهني للشاعر، وقد وضع بإزاء هذا النص المنشور صورة شخصية له قد تحيل إلى إشارات سيميائية ذات أهمية؛ فقد اختار الشاعر صورة وهو يلقي نصا في إحدى لقاءاته الشعرية المنبرية، وتتضح من سيميائيات الصورة ارتباطها بالجانب الحركي الشفاهي للإلقاء، وكأن الشاعر يسعى إلى استجلاب الثلث المفقود من عناصر النشر الإلكتروني وهو جزء الصوت ليمنح المتلقي إيحاءات بحضور الصوت الشعري مع جانبي الكلمة والصورة الحائطية. وقد تخير صورة فوتوجرافية تفاعلية يبدو فيها ملقيا للنص مشيرا بإصبعه للأعلى، وكأنه يرفع الشهادة والصلاة على رسول الله، ونؤكد على أن تخير هذه الصورة لم يكن اعتباطيا، فهي واحدة من عشرات الصور تخيرها الشاعر تحديدا لسمات تكوينية في هذه الصورة المتفاعلة. وعلى مستوى الضوء الرقمي نلاحظ تداخل الألوان الأزرق والبنفسجي والأحمر والبني وألوان أخرى جعلت الشاعر يحل في مهرجان من الألوان المتدافعة الذي يعطي للنص بعده الصوري المهم، ثم نرى الشاعر وقد ارتدى زيا وطنيا ينسجم مع زمكانية النص. أما على مستوى أدائية النص فلا نجد أثرا بينا لتأثير التقنية إلا إذا افترضنا أن التقنية قد فرضت إلزامات شكلية ابتعدت بالنص عن التناظرية إلى تراتبية سطرية ربما تعد شبه لازمة في أغلب النصوص التقليدية التي تحضر على التقنيات الحديثة.