(1) فاتحة: بالأمس عجت على القباب أزورها وأشم عطراً عالقاً بقباب ووقفت بالقبر العظيم أعوده وبجيرة الصديق والخطاب ٭ ٭ ٭ (2) ما أجمل أن يتواصل الشاعر السعودي المعاصر/ الحداثي مع المنجز الشعري التراثي ليقطع على كل ناعق نقدي يسم حداثتنا بالقطيعة مع التراث فتتنامي قصيدتنا الحداثية من خلال إرثنا ومنجزنا الشعري بما يكفل لها التواصل والانسجام والقابلية والمقروئية في عالم ينظر إلى ثلاثية الزمن/ الماضي، الحاضر، المستقبل، على أنها ذات تفاعلية ناضجة تؤتي أكلها كل حين فضاءً معرفياً ناجزاً تتشكل بنياته من هذه الثلاثية فيغدو - حينها - جسراً لردم الفجوة المعرفية بين المعاصرة والتراث. ٭ ٭ ٭ (3) أقول هذا القول وبين يديّ نصَّ خليلي تراثي، يحمل أبجديته الفارعة، وقافيته المتمكنة، وشعريته الناضجة، وموضوعاته المعاصرة، في تواشج وتوازن شعري، مكَّنه من الوثوقية والصمود في كل محفل يكون فيه شعر الصيخان فيُطْلَبُ هذا النص من كثير من المتلقين وأنا أولهم وأكثرهم إلحاحاً، ولا أدري لماذا؟! ولكن الذي أدريه أنني عرفت الصيخان شاعراً حداثياً، فأول ما سمعت وقرأت له «فضة تتعلم الرسم»، و«هواجس في طقس الوطن» وغيرها من النصوص المؤثرة والفاعلة في المشهد الثقافي أيام المدَّ الحداثوي، والنص المتجاوز، واللغة البكر، والمعنى المستنبت، والفكر الجديد، وكان الصيخان أحد رموز المرحلة!! ثم فجأة - وبعد تلك السنين - التي سكت فيها النص الحداثي إلا من بعض المجددين والمقلدين من الشباب الشعراء وجيل التسعينات يظهر علينا الصيخان بهذا النص المتجاوز الذي وجدت نفسي تتماهى معه منذ أن سمعته أول مرة في أمسية خاصة، وصرت أرغب سماعه إلقاءً من شاعرنا الصيخان فتروح الروح إلى عبق المكان الذي يأرز إليه الإيمان، إلى روح المكان الذي يذكرك بالقيم والسمو والجلال التي تبثها ذكريات طيبة الطيبة/ مدينة المصطفى الكريم صلى الله عليه وسلم. ٭ ٭ ٭ (4) بين يديّ نص موزون مقفى، أبدعه الشاعر عبدالله الصيخان وسمه ب «طيبة»، وما إن تقرأ العنوان حتى تتوق روحك الإيمانية، ومشاعرك الدينية، وذاكرتك التاريخية، وذهنيتك الشعرية إلى ذلك المكان/ الرمز، المكان/ التاريخ، المكان/ الطهر والقدسية.. كل تلك الإيحاءات تفرض نفسها عليك نقدياً فتتنامى في لغتك تلك المعاني السامية، والروح الإيمانية لتجد الصيخان يضمِّن مفرداته ولغته وشاعريته كل تلك المعاني القدسية فنجد: القباب: قباب المسجد النبوي، وخاصة القبة الخضراء على القبر المحمدي (صلى الله عليه وسلم). القبر العظيم: قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم. جيرة الصديق والخطاب: القبرين المجاورين لقبر الرسول الأعظم. السياج: الشبك الحديدي المحيط بالقبر النبوي. بين القبر والمحراب: محراب النبي صلى الله عليه وسلم ويعني هنا الروضة الشريفة بين قبره ومحرابه صلى الله عليه وسلم. أبواء المدينة: يقصد قرية الأبواء حيث ماتت أم النبي صلى الله عليه وسلم آمنة ودفنت فيها. رواحل سيدي - قبر آمنة - سيد الثقلين – سنى النبي - يا قارئ القرآن. كل هذه المفردات لها إيحاءات وظلال نبوية/ قدسية نورانية مما يعطيها داخل النص سمات القصيدة النبوية/ المدائحية التي عرفناها في تراثنا الشعري مثل بردة كعب بن زهير، ونهج البردة للبوصيري، ونهج البردة لأحمد شوقي، والمدائح النبوية التي تكثر في مدونة الشعر النبوي!! لكن الجميل في هذا النص تشظيه في الداخل عبر موضوعات حيوية معاصرة. فبعد تفتيق النص وتحليله نجده يتمحور في مضامين كثيرة أعددها على النحو التالي: مدح النبي صلى الله عليه وسلم، ذكر آمنة بنت وهب وقبرها في الأبواء، ذكر والدة الشاعر (زهرة) المتوفاة وربما هي سبب النص لأن وفاتها ودفنها في المدينةالمنورة، حديث عن طيبة/ المكان، حديث عن الإرهاب والإرهابيين وفتاوى الإرهاب، حديث عن القرآن. وكل هذه الموضوعات تتواشج فيما يمكن أن نسميه بنية النص ومستوياته الشعرية. فهناك مستوىً أول، وهو ما يخص النبوة المحمدية، وما تبثه من روحانية ونورانية، وهناك مستوىً ثانٍ، وهو ما يخص الواقع الأليم الذي أحدثه الإرهاب وفتاوى الإرهاب فتحول المجتمع إلى الظلامية، وبين هذين المستويين النوراني والظلامي ينمو مستوىً ثالثاً، وهو الذي يربط هذين المستويين في اتصال وتداول يتسع القصيدة وأبياتها التي بلغت تسعاً وعشرين بيتاً من النص الخليلي/ العمودي على بحر الكامل والتي سوف نُشرِّحها نقدياً، ونفككها نصوصياً، ونعيد قراءتها نثرياً لنبين مكامن الجمال والشاعرية فيها!! ٭ ٭ ٭ (5) وحسب المستويات والمضامين السابقة يمكن تصنيفها والتداخل معها فيما يلي:5/1 المستوى النبوي/ الروحاني/ النوراني: تحدث النص عن الموضوع النبوي/ المحمدي في أحد عشر بيتاً من القصيدة التي بلغت أبياتها - كما قلت آنفاً - تسعة وعشرين بيتاً وهذه نسبة كبيرة تجعلنا نصنف هذا النص في باب المديح النبوي، يقول الصيخان: 1- بالأمس عجت على القباب أزورها وأشم عطراً عالقاً بقباب 2- ووقفت بالقبر العظيم أعوده وبجيرة الصديق والخطاب 3 – الخير يذوي والعدالة والندى لكنها أحيت حديث صحابي 4- ألصقت وجهي بالسياج أشمه وبكيت بين القبر والمحراب ...... ...... ...... 5- وذكرت دمعة سيدي وبكاءه لما رأى قبراً نديَّ تراب 6- حارت بأبواء المدينة رجله وجرى حديث القلب للأحباب ...... ...... ...... 7- يا سيد الثقلين جئت مبشراً بالحب لا بمعارك وخراب 8- أرسلت والدنيا ظلام والمدى ظلم وخيل المؤمنين كوابي 9- ورحلت والدنيا ضياء والمدى نور يرى في دفتي كتاب 10- من هاهنا مرت رواحل سيدي وهنا اهتدى قس وأسلم صابي 11- من هاهنا أضحى لطيف محمد نور وأصغت للحبيب روابي في هذه الأبيات يشعر القارئ والمتلقي بمسحة صوفية تغلف المفردات، وتعالق نصوصي على مستوى اللغة والفكر والتعاطي مع نصوص المدائح النبوية الصوفية، فالقباب هي التي تزار، والعطر العالق بالقباب والسياج حول القبر العظيم هو الذي يشم، والقبر العظيم هو الذي يُعَاد وليس صاحب القبر صلى الله عليه وسلم أو المسجد النبوي، والنداء يا سيد الثقلين... كل هذه من ملامح القصيدة النبوية الصوفية!! وفي هذه الأبيات يشعر القارئ والمتلقي بجماليات الاختيار للمواقف النبوية التي يمدحها وتنبني عليها بنية النص وتداعياته، فبنية النص المضمرة هي وفاة والدة الشاعر زهرة، وموقف الإرهاب والداعمين له من مفتين ومنفذين!! ولخدمة هذه البنية النسقية المضمرة كان اختيار الشاعر لبكاء الرسول صلى الله عليه وسلم عند قبر والدته آمنة في الأبواء.. وهذا تعالق معنوي مع بكاء الشاعر عند قبر أمه «زهرة» التي دفنت في المدينةالمنورة. كما كان اختيار الشاعر لبعثة النبي صلى الله عليه وسلم المحفوفة بالحب والسلام لا بالمعارك والخراب التي أحدثها الإرهابيون.. وهذا تعالق معنوي مع الأحداث الإرهابية التي حصلت في المملكة قبل بناء هذا النص أو المعاصرة له!! وفي هذه الأبيات يجد المتلقي والقارئ فضاءً جمالياً آخر، حيث الثنائيات التي تلعب عليها لغة الشاعر: الخير والعدالة والندى تذوي بموت المصطفى صلى الله عليه وسلم لكنها: تحيي حديث الصحابة ومواقفهم العظيمة. أحوال المجتمع عند بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم مقابل الأهوال بعد رحيله ووفاته صلى الله عليه وسلم: (أرسلت) والدنيا ظلام/ والمدى ظلم (رحلت) والدنيا ضياء/ والمدى نور وفي هذه الأبيات - بصفة مجملة - يشعر القارئ والمتلقي بالروحانية الإيمانية التي تنبعث من مفرداتها ومعانيها فالبكاء بين القبر والمحراب يعني التواجد الروحاني والإيماني في الروضة الشريفة التي قال عنها المصطفى «ما بين يتي ومنبري روضة من رياض الجنة» أو كما قال!! والذكريات النبوية الرائعة التي ارتبطت بذاكرة الشاعر فالرواحل النبوية مرت من هنا/ من طيبة الطيبة، وفيها اهتدى للإيمان من لم يكن مؤمناً (قس وصابي) ومنها أضحى لطيف النبوة نوراً، وأصغت للأحاديث النبوية كل الروابي/ المدن/ القرى. كل هذه المضامين تؤكد الروحانية والنورانية والإيمانية التي تحملها مفردات هذه الأبيات وبالتالي يعيشها الشاعر حياة وفكراً وشاعرية! 5/2 المستوى الدنيوي/ الإرهابي/ الظلامي: وفي هذا الموضوع يتحدث النص في عشرة أبيات تقريباً، وهي تمثل نسبة كبيرة قد توازي الموضوع السابق، وهذا يعني - في النقد الثقافي - أن هناك بنية نسقية مضمرة تحركت من خلاله تلك الفعالية الشعرية فاستنطقت الشاعر لقولها في الأبيات التالية: 1- يا طيبة الأطياب جئتك شاكياً أبناء آوى في جلود ذئاب 2- من غيبوا في الدين فيض سماحة وبشاشة تغني عن الترحاب 3- زرعوا القطيعة بين كل جماعة ورعوا نميم الواشي الكذاب 4- لم يدفعوا حداً يشبهه تائب أو يرحموا حالاً لذات خضاب 5- لم يعرفوا في الله رحمته التي وسعت ذنوب مسالك وشعاب 6- يا طيبة التاريخ إني مؤمن بالله.. لا بفتاوى المرتاب 7- أفتى وأسرج للضلالة خيله فلبئس ما سيقت له بركاب 8- أفتى وزين للمراهق فتنة وقطيعة الأبواب بالأبواب 9- أفتى وأوعز صدره وفؤاده وسقاه من كأس بغير شراب .... .... .... 10- وتعال كي نجلو الحقيقة في الدجى أن الذي أفتى هو الإرهابي في هذه الأبيات يشعر المتلقي/ القارئ بالضغط النفسي الذي يرزح تحته الشاعر بسبب الفتاوى المتلبسة برداء الدين، التي ولّدت الإرهاب وغذّته وصنعته بل وحركته للفعل والعمليات الإرهابية، يشي بذلك قول الشاعر في البيت الأخير: وتعال كي نجلو الحقيقة في الدجى أن الذي أفتى هو الإرهابي كما يلاحظ القارئ/ المتلقي تلك الأوصاف القبيحة لهذه الفئة التي تمترست وراء الفتيا فهم: - أبناء آوى (ثعالب) في جلود ذئاب!! - غيبوا سماحة الدين وبشاشة الوجه!! - زرعوا القطيعة بين الجماعات. - رعوا النميمة والوشاية والكذب. - لم يدفعوا الحد عن التائبين وأخذوهم بالشبهة. - لم يرحموا حال الفتيات والنساء (ذوات الخضاب). - لم يعرفوا رحمة الله التي وسعت ذنوب العباد. - أسرجوا خيل الضلالة. - زينوا للمراهق الفتن والقطيعة. كل هذه السمات والصفات تدل على قبح الفعل والفاعل، وتعطي دلالة على مضادة لتلك النورانية النبوية التي تحدث عنها النص في مستوى النبوة. وكأن الشاعر يقول لنا إن الواقع المعاصر يشي بظلامية مقيتة رغم النورانية التي أحدثها الفكر النبوي المحمدي!! 5/3 المستوى الرابط/ الاتصال والتداول: وأعني به الأبيات المفردة أو الثنائية التي تقوم بدور الوصل والربط بين المستويين الرئيسيين في النص وهذه الأيات جاءت في موضوعات أربعة: أم الشاعر، أم النبي صلى الله عليه وسلم آمنة، طيبة/ المكان/ الرمز، القرآن وقارئه، يقول الصيخان: 1- لما ذكرت حشاشة قد ودعت مني ومالت زهرتي لغياب ...... ...... 2- يا قبر آمنة استفق فوقوفه سيحيل هذي الجرد كالأعناب 3- يا طيبة الأطياب جئتك عاشقاً لسنى النبي وخافقي محرابي 4- أمشي وأزرع آية في خافقي تسقي هشيم الورد والأعصاب 5- نور على نور يضيء بصبرتي وبها عرفت خطيئتي وصوابي 6- يا طيبة الأطياب جئتك شاكياً أبناء آوى في جلود ذئاب 7- الله نور الأرض علَّم بالقلم من ليس يعلم يا ذوي الألباب 8- يا قارئ القرآن رتل آيه وتعال كي أدني إليك إهابي 9- لتعطر الروح الضريرة بالسنى ويطيب من ألم الرواح إيابي وهذه الأبيات (التسعة) في مجملها تحمل إشارات ودلالات روابطية بين المستوى الأول/ المستوى النبوي/ المحمدي، والمستوى الثاني/ المستوى الدنيوي/ الواقعي الإرهابي. ففي البيتين (الأول والثاني) من هذه المجموعة ربط وإيصال بين أم الشاعر زهرة التي مالت إلى الغياب/ الموت وبين قبر آمنة/ أم النبي صلى الله عليه وسلم والشاهد هنا الموت/ الغياب، الوقوف للذكرى والحنين!! أما الأبيات (3-6) ففيها ربط بين ذات الشاعر وروحانيته وتلازمها مع المكان/ الرمز/ طيبة وأثر هذا المكان/ الرمز على الشاعر والروحانيات ف/ طيبة الأطياب جاءها الشاعر عاشقاً لسنى النبي المصطفى!! جاءها وقلبه محرابه، وهنا قمة التماهي الروحاني الصوفي حيث يتحول محراب الشاعر من الخارج إلى الداخل إلى القلب/ الخافق. جاءها والآيات تنزرع في خافقه، آيات القرآن، آيات المآثر والآثار النبوية التي تنير البصائر، ويعرف الشاعر خطأه من صوابه، وفي هذا دلالة وإشارة إلى التوبة/ الرجوع/ تصحيح المسار!! وأما الأبيات (الثلاثة الأخيرة 7-9) ففيها الرابط القرآني الذي هو نور الله في الأرض، ويعطر الروح الضريرة بالسنى، ويشفي من الآلام والأوصاب الدنيوية. وهنا لي وقفة مهمة مع البيت (السابع) في هذه المجموعة وهو نفس البيت رقم (26) من القصيدة كاملة الذي يقول فيه الصيخان: الله نور الأرض علم بالقلم من ليس يعلم يا ذوي الألباب والرؤية النقدية تقول إنه بيت منبت لا علاقة له بما قبله أو بعده، بيت لاشعرية فيه وحشو زائد لا يتناغم مع القصيدة، أو كأنه إقحام جاء في غير محله وهو تكرار لكلام من مقولات الناس لا جديد فيه فكأنما هو تفسير للماء بالماء!! نعم الله نور الأرض... نعم الله علم بالقلم... فما الجديد هنا وأين الشعرية فيه؟! ٭ ٭ ٭ (6) خاتمة: وهكذا وجدنا النص يتناغم نصوصياً وفق سياقات متكاملة يردف بعضها بعضاً لتتشكل من أبياته وقوافيه وحدة موضوعية متجانسة متصاعدة عبر ثلاثة مستويات: المستوى الأول: المستوى النبوي/ المحمدي/ النوراني، وكله سماحة ودين ورحمة وخيرية ونورانية «تسقي هشيم الورد والأعصاب» «وبها عرفت خطيئتي وصوابي» «ويحيل هذي الجرد كالأعناب» والمستوى الثاني: المستوى الدنيوي/ الواقعي/ الإرهابي وكله عنف، نميمة، كذب ضلالة، فتن، فتاوى إرهابية، خروج عن الدين: «غيبوا في الدين فيض سماحة» «زرعوا القطيعة بين كل جماعة» «لم يعرفوا في الله رحمته التي .....» «أفتى وأسرج للضلالة خيله» «أفتى وزين للمراهق فتنة» «أفتى وأوعز صدره وفؤاده» «أن الذي أفتى هو الإرهابي»!! وأما المستوى الثالث والأخير: فهو المستوى الذي أشبهه بالعمود الفقري الذي يربط بين أجزاء القصيدة وبالتالي يربط بين المستويين الأول والثاني فهو يميل تارة إلى الروحانية، والنورانية التي تبثها الحضرة النبوية في النص، والتي يثيرها - أيضاً - المكان/ الرمز/ طيبة الأطياب بكل فضاءاتها المشحونة بروح النبوة وآثارها ومنجزاتها المشعة سناً ونوراً وطيباً. وتارة يميل إلى الواقعية والمعاصرة التي تبثها «زهرة» أم الشاعر التي توفيت قبل كتابة القصيدة - كما يقول في هامشها - مستحضراً في ذلك قبر آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم «قبراً نديَّ تراب» و«ياقبر آمنة استفق» لتتحول الأماكن الجرد المجدبة المحيطة بالقبر إلى جنات وأعناب!! في هذه الفضاءات، يتنامى النص، لنجد أنفسنا - في النهاية - أمام ثنائية النور/ الظلام. النور: الرباني/ المحمدي/ النبوي. والظلام: الدنيوي/ مشايخ الفتيا والفتوى/ الإرهابيين. لكن الأجمل في هذه الثنائية أن الظلامية تتوارى خلف النورانية فلا يبدو في المشهد إلا النورانية في أكثر أبيات القصيدة بمفرداتها المباشرة ودلالاتها الرمزية وفضاءاتها الإشارية، وهنا ثبت بتجليات النور والظلمة بمفرداتها النصية المباشرة:رقم البيت المضمون10 أرسلت والدنيا ظلام...11 ورحلت والدنيا ضياء.. والمدى نور...12 جئتكِ عاشقاً لسنى النبي..14 نور على نور يضيء بصيرتي..26 الله نور الأرض...28 لتعطر الروح الضريرة بالسَّنى29 وتعال كي نجلو الحقيقة في الدجى وهنا تتضح دلالات النور وكثرتها مقابل الظلام الذي لم يرد إلا مرتان واحدة. ولكن الإشارات والإحالات النصية التي تدل عليه سنجدها بين السطور والقوافي من مثل: الجرد.. (الأرض المجدبة) المعارك والخراب خيل المؤمنين كوابي هشيم الورد والأعصاب وعرفت خطيئتي... أبناء آوى في جلود ذئاب نميم الواشي الكذاب... إلخ لكنها تتضح بشكل سافر في آخر بيت من القصيدة: "وتعال كي نجلو الحقيقة في الدجى أن الذي أفتى هو الإرهابي" وهنا نربط - نقدياً - بين الإرهابي الذي يمثل الظلامية في آخر النص وبين القبر العظيم. وجيرة الصديق والخطاب، وسيد الثقلين الذي يمثل النورانية في أوائل النص لنؤكد أن القصيدة تتماهى بين ثنائيتي النور/ الظلام لكنها إلى النورانية تتجه، ومن النورانية تنطلق، وفي النورانية تتنامى، وهذا هو الشاعر عبدالله الصيخان بكل نورانيته الشعرية!! عبدالله الصيخان