Saudi Signage & Labelling Expo يعود إلى الرياض لدعم الابتكار في سوق اللافتات في المملكة العربية السعودية البالغة قيمته 492 مليون دولار    معالي وزير المالية يشارك في اجتماع الطاولة المستديرة بغرفة التجارة الأمريكية    تجمع الرياض الصحي الثاني : 1552 زيارة لتقديم العلاج الكيماوي لمرضى الأورام في منازلهم    الداخلية: 50,000 ريال غرامة بحق كل مستقدم يتأخر عن الإبلاغ عن مغادرة من استقدمهم في الوقت المحدد لانتهاء تأشيرة الدخول    أمير منطقة جازان: فرص سياحية واعدة تنتظر المستثمرين في جزر فرسان    مدير عام التعليم بالطائف يلتقي بفريق مشروع التحول بالوزارة    بيان مشترك في ختام زيارة رئيس وزراء جمهورية الهند للسعودية    الرئيس التونسي يستقبل المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة    ترند اليوم لا تتذكره غدا في هيئة الصحفيين بمكة    اوقية الذهب تنخفض الى 3357.11 دولارًا    رياح نشطة على أجزاء من عدة مناطق بالمملكة    الأردن يستعد لكشف تفاصيل جديدة عن "خلية الإخوان"    عودة رائد الفضاء دون بيتيت بعد 220 يوما    تدريب الطلبة على اختراق تطبيقات الويب    مصر ولبنان يطالبان بتطبيق القرار 1701 دون انتقائية    عقدا جلسة مباحثات وترأسا مجلس الشراكة الإستراتيجية السعودي- الهندي.. ولي العهد ورئيس وزراء الهند يستعرضان تطوير العلاقات الثنائية    فريق عمل مشروع توثيق تاريخ كرة القدم السعودية ينهي أعماله    إعلاميون ل"البلاد": خبرة الهلال سلاحه الأول في نخبة آسيا    105 تراخيص جديدة .. ارتفاع الاستثمارات والوظائف الصناعية في السعودية    بديل "إكس" تستعير واحدة من أبرز ميزاتها على منصتها    إطلاق أكثر من 30 كائنًا فطريًا في محمية الملك خالد الملكية    استمرار تحمل الدولة رسم تأشيرة عمالة مشروع «الهدي».. مجلس الوزراء: إنشاء غرفة عمليات لاستقبال ومعالجة بلاغات الاحتيال المالي    السجن والغرامة لمستخدمي ملصقات الوجه على WhatsApp    وفاة إبراهيم علوان رئيس نادي الاتحاد الأسبق    ضربات تُسقط مهربي ومروجي السموم في عدة مناطق    رئيس وزراء جمهورية الهند يغادر جدة    سفراء الوطن يحصدون الجوائز العالمية    مؤتمر مكة للدراسات الإسلامية.. فكر يبني وانسانية تخدم    الاحتلال يُدمر آليات الإنقاذ استهدافًا للأمل في النجاة.. مقترح جديد لوقف الحرب في غزة وسط تصعيد متواصل    أمانة مكة تعلن ضوابط الشهادات الصحية للحج    أمير تبوك يستقبل قنصليْ أفغانستان وكينيا    السفير الرشيدان يلتقي رئيس مجلس النواب الطاجيكي    أمير الرياض يستقبل السفير الإندونيسي    «التواصل الحضاري» يدرّب 89 طالبًا من 23 جامعة    جامعة الملك سعود تحتفي باليوم العالمي للغة الصينية    معرّفات ظلامية    أمير المدينة المنورة يطلع على جهود "الأمر بالمعروف"    النفط يرتفع نحو 2% عند التسوية    «صحي نجران» يُدشن عيادات لعلاج السمنة    المملكة تستعرض تجربتها في تنظيم الطب التكميلي    أسباب الصداع الصباحي وآلام الفك    "هيئة الأدب" تدشن جناح مدينة الرياض في معرض بوينس آيرس الدولي للكتاب    عالم خلف العدسات نعرض حياتنا لا نعيشها    بائع البوظة يؤكد تهافت الرواية التاريخية    نائب أمير الرياض يُشرف حفل السفارة الأمريكية بمناسبة ذكرى اليوم الوطني    7.7 مليار ريال أثر مالي لكفاءة الإنفاق بهيئة تطوير المنطقة الشرقية    ما الأقوى: الشريعة أم القانون    "جامعة جدة" تحتفي بأبطال المبارزة في بطولة المملكة للمبارزة SFC    بنزيما يحظى بإشادة عالمية بعد فوز الاتحاد على الاتفاق    المصادقة على مشروع توثيق تاريخ كرة القدم السعودية    7 مليارات ريال تمويل القروض الزراعية    موجبات الولادة القيصرية وعلاقتها بالحكم الروماني    أمير الشرقية يرعى حفل تخريج الدفعة ال 46 من طلاب جامعة الإمام عبد الرحمن    رئيس المالديف يستقبل البدير    أمير تبوك يستقبل القنصل العام لجمهورية أفغانستان لدى المملكة    نائب وزير الخارجية يستقبل مساعد وزير الخارجية مدير عام إدارة الشرق الأوسط وأفريقيا بوزارة خارجية اليابان    الرئيس العام للهيئات يلتقي منسوبي فرع المدينة المنورة    قوميز: مواجهة الرياض "نهائي جديد".. ونركز على التفاصيل والخروج بأفضل نتيجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في نص طيبة: للشاعر - عبدالله الصيخان..
الصيخان وثنائية النور - الظلام!!
نشر في الرياض يوم 16 - 06 - 2011


(1) فاتحة:
بالأمس عجت على القباب أزورها وأشم عطراً عالقاً بقباب
ووقفت بالقبر العظيم أعوده وبجيرة الصديق والخطاب
٭ ٭ ٭
(2)
ما أجمل أن يتواصل الشاعر السعودي المعاصر/ الحداثي مع المنجز الشعري التراثي ليقطع على كل ناعق نقدي يسم حداثتنا بالقطيعة مع التراث فتتنامي قصيدتنا الحداثية من خلال إرثنا ومنجزنا الشعري بما يكفل لها التواصل والانسجام والقابلية والمقروئية في عالم ينظر إلى ثلاثية الزمن/ الماضي، الحاضر، المستقبل، على أنها ذات تفاعلية ناضجة تؤتي أكلها كل حين فضاءً معرفياً ناجزاً تتشكل بنياته من هذه الثلاثية فيغدو - حينها - جسراً لردم الفجوة المعرفية بين المعاصرة والتراث.
٭ ٭ ٭
(3)
أقول هذا القول وبين يديّ نصَّ خليلي تراثي، يحمل أبجديته الفارعة، وقافيته المتمكنة، وشعريته الناضجة، وموضوعاته المعاصرة، في تواشج وتوازن شعري، مكَّنه من الوثوقية والصمود في كل محفل يكون فيه شعر الصيخان فيُطْلَبُ هذا النص من كثير من المتلقين وأنا أولهم وأكثرهم إلحاحاً، ولا أدري لماذا؟!
ولكن الذي أدريه أنني عرفت الصيخان شاعراً حداثياً، فأول ما سمعت وقرأت له «فضة تتعلم الرسم»، و«هواجس في طقس الوطن» وغيرها من النصوص المؤثرة والفاعلة في المشهد الثقافي أيام المدَّ الحداثوي، والنص المتجاوز، واللغة البكر، والمعنى المستنبت، والفكر الجديد، وكان الصيخان أحد رموز المرحلة!!
ثم فجأة - وبعد تلك السنين - التي سكت فيها النص الحداثي إلا من بعض المجددين والمقلدين من الشباب الشعراء وجيل التسعينات يظهر علينا الصيخان بهذا النص المتجاوز الذي وجدت نفسي تتماهى معه منذ أن سمعته أول مرة في أمسية خاصة، وصرت أرغب سماعه إلقاءً من شاعرنا الصيخان فتروح الروح إلى عبق المكان الذي يأرز إليه الإيمان، إلى روح المكان الذي يذكرك بالقيم والسمو والجلال التي تبثها ذكريات طيبة الطيبة/ مدينة المصطفى الكريم صلى الله عليه وسلم.
٭ ٭ ٭
(4)
بين يديّ نص موزون مقفى، أبدعه الشاعر عبدالله الصيخان وسمه ب «طيبة»، وما إن تقرأ العنوان حتى تتوق روحك الإيمانية، ومشاعرك الدينية، وذاكرتك التاريخية، وذهنيتك الشعرية إلى ذلك المكان/ الرمز، المكان/ التاريخ، المكان/ الطهر والقدسية..
كل تلك الإيحاءات تفرض نفسها عليك نقدياً فتتنامى في لغتك تلك المعاني السامية، والروح الإيمانية لتجد الصيخان يضمِّن مفرداته ولغته وشاعريته كل تلك المعاني القدسية فنجد:
القباب: قباب المسجد النبوي، وخاصة القبة الخضراء على القبر المحمدي (صلى الله عليه وسلم).
القبر العظيم: قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم.
جيرة الصديق والخطاب: القبرين المجاورين لقبر الرسول الأعظم.
السياج: الشبك الحديدي المحيط بالقبر النبوي.
بين القبر والمحراب: محراب النبي صلى الله عليه وسلم ويعني هنا الروضة الشريفة بين قبره ومحرابه صلى الله عليه وسلم.
أبواء المدينة: يقصد قرية الأبواء حيث ماتت أم النبي صلى الله عليه وسلم آمنة ودفنت فيها.
رواحل سيدي - قبر آمنة - سيد الثقلين – سنى النبي - يا قارئ القرآن.
كل هذه المفردات لها إيحاءات وظلال نبوية/ قدسية نورانية مما يعطيها داخل النص سمات القصيدة النبوية/ المدائحية التي عرفناها في تراثنا الشعري مثل بردة كعب بن زهير، ونهج البردة للبوصيري، ونهج البردة لأحمد شوقي، والمدائح النبوية التي تكثر في مدونة الشعر النبوي!!
لكن الجميل في هذا النص تشظيه في الداخل عبر موضوعات حيوية معاصرة. فبعد تفتيق النص وتحليله نجده يتمحور في مضامين كثيرة أعددها على النحو التالي:
مدح النبي صلى الله عليه وسلم، ذكر آمنة بنت وهب وقبرها في الأبواء، ذكر والدة الشاعر (زهرة) المتوفاة وربما هي سبب النص لأن وفاتها ودفنها في المدينة المنورة، حديث عن طيبة/ المكان، حديث عن الإرهاب والإرهابيين وفتاوى الإرهاب، حديث عن القرآن. وكل هذه الموضوعات تتواشج فيما يمكن أن نسميه بنية النص ومستوياته الشعرية. فهناك مستوىً أول، وهو ما يخص النبوة المحمدية، وما تبثه من روحانية ونورانية، وهناك مستوىً ثانٍ، وهو ما يخص الواقع الأليم الذي أحدثه الإرهاب وفتاوى الإرهاب فتحول المجتمع إلى الظلامية، وبين هذين المستويين النوراني والظلامي ينمو مستوىً ثالثاً، وهو الذي يربط هذين المستويين في اتصال وتداول يتسع القصيدة وأبياتها التي بلغت تسعاً وعشرين بيتاً من النص الخليلي/ العمودي على بحر الكامل والتي سوف نُشرِّحها نقدياً، ونفككها نصوصياً، ونعيد قراءتها نثرياً لنبين مكامن الجمال والشاعرية فيها!!
٭ ٭ ٭
(5)
وحسب المستويات والمضامين السابقة يمكن تصنيفها والتداخل معها فيما يلي:5/1 المستوى النبوي/ الروحاني/ النوراني:
تحدث النص عن الموضوع النبوي/ المحمدي في أحد عشر بيتاً من القصيدة التي بلغت أبياتها - كما قلت آنفاً - تسعة وعشرين بيتاً وهذه نسبة كبيرة تجعلنا نصنف هذا النص في باب المديح النبوي، يقول الصيخان:
1- بالأمس عجت على القباب أزورها وأشم عطراً عالقاً بقباب
2- ووقفت بالقبر العظيم أعوده وبجيرة الصديق والخطاب
3 – الخير يذوي والعدالة والندى لكنها أحيت حديث صحابي
4- ألصقت وجهي بالسياج أشمه وبكيت بين القبر والمحراب
...... ...... ......
5- وذكرت دمعة سيدي وبكاءه لما رأى قبراً نديَّ تراب
6- حارت بأبواء المدينة رجله وجرى حديث القلب للأحباب
...... ...... ......
7- يا سيد الثقلين جئت مبشراً بالحب لا بمعارك وخراب
8- أرسلت والدنيا ظلام والمدى ظلم وخيل المؤمنين كوابي
9- ورحلت والدنيا ضياء والمدى نور يرى في دفتي كتاب
10- من هاهنا مرت رواحل سيدي وهنا اهتدى قس وأسلم صابي
11- من هاهنا أضحى لطيف محمد نور وأصغت للحبيب روابي
في هذه الأبيات يشعر القارئ والمتلقي بمسحة صوفية تغلف المفردات، وتعالق نصوصي على مستوى اللغة والفكر والتعاطي مع نصوص المدائح النبوية الصوفية، فالقباب هي التي تزار، والعطر العالق بالقباب والسياج حول القبر العظيم هو الذي يشم، والقبر العظيم هو الذي يُعَاد وليس صاحب القبر صلى الله عليه وسلم أو المسجد النبوي، والنداء يا سيد الثقلين... كل هذه من ملامح القصيدة النبوية الصوفية!!
وفي هذه الأبيات يشعر القارئ والمتلقي بجماليات الاختيار للمواقف النبوية التي يمدحها وتنبني عليها بنية النص وتداعياته، فبنية النص المضمرة هي وفاة والدة الشاعر زهرة، وموقف الإرهاب والداعمين له من مفتين ومنفذين!! ولخدمة هذه البنية النسقية المضمرة كان اختيار الشاعر لبكاء الرسول صلى الله عليه وسلم عند قبر والدته آمنة في الأبواء.. وهذا تعالق معنوي مع بكاء الشاعر عند قبر أمه «زهرة» التي دفنت في المدينة المنورة. كما كان اختيار الشاعر لبعثة النبي صلى الله عليه وسلم المحفوفة بالحب والسلام لا بالمعارك والخراب التي أحدثها الإرهابيون.. وهذا تعالق معنوي مع الأحداث الإرهابية التي حصلت في المملكة قبل بناء هذا النص أو المعاصرة له!!
وفي هذه الأبيات يجد المتلقي والقارئ فضاءً جمالياً آخر، حيث الثنائيات التي تلعب عليها لغة الشاعر:
الخير والعدالة والندى تذوي بموت المصطفى صلى الله عليه وسلم لكنها:
تحيي حديث الصحابة ومواقفهم العظيمة.
أحوال المجتمع عند بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم مقابل الأهوال بعد رحيله ووفاته صلى الله عليه وسلم:
(أرسلت) والدنيا ظلام/ والمدى ظلم
(رحلت) والدنيا ضياء/ والمدى نور
وفي هذه الأبيات - بصفة مجملة - يشعر القارئ والمتلقي بالروحانية الإيمانية التي تنبعث من مفرداتها ومعانيها فالبكاء بين القبر والمحراب يعني التواجد الروحاني والإيماني في الروضة الشريفة التي قال عنها المصطفى «ما بين يتي ومنبري روضة من رياض الجنة» أو كما قال!!
والذكريات النبوية الرائعة التي ارتبطت بذاكرة الشاعر فالرواحل النبوية مرت من هنا/ من طيبة الطيبة، وفيها اهتدى للإيمان من لم يكن مؤمناً (قس وصابي) ومنها أضحى لطيف النبوة نوراً، وأصغت للأحاديث النبوية كل الروابي/ المدن/ القرى.
كل هذه المضامين تؤكد الروحانية والنورانية والإيمانية التي تحملها مفردات هذه الأبيات وبالتالي يعيشها الشاعر حياة وفكراً وشاعرية!
5/2 المستوى الدنيوي/ الإرهابي/ الظلامي:
وفي هذا الموضوع يتحدث النص في عشرة أبيات تقريباً، وهي تمثل نسبة كبيرة قد توازي الموضوع السابق، وهذا يعني - في النقد الثقافي - أن هناك بنية نسقية مضمرة تحركت من خلاله تلك الفعالية الشعرية فاستنطقت الشاعر لقولها في الأبيات التالية:
1- يا طيبة الأطياب جئتك شاكياً أبناء آوى في جلود ذئاب
2- من غيبوا في الدين فيض سماحة وبشاشة تغني عن الترحاب
3- زرعوا القطيعة بين كل جماعة ورعوا نميم الواشي الكذاب
4- لم يدفعوا حداً يشبهه تائب أو يرحموا حالاً لذات خضاب
5- لم يعرفوا في الله رحمته التي وسعت ذنوب مسالك وشعاب
6- يا طيبة التاريخ إني مؤمن بالله.. لا بفتاوى المرتاب
7- أفتى وأسرج للضلالة خيله فلبئس ما سيقت له بركاب
8- أفتى وزين للمراهق فتنة وقطيعة الأبواب بالأبواب
9- أفتى وأوعز صدره وفؤاده وسقاه من كأس بغير شراب
....
....
....
10- وتعال كي نجلو الحقيقة في الدجى أن الذي أفتى هو الإرهابي
في هذه الأبيات يشعر المتلقي/ القارئ بالضغط النفسي الذي يرزح تحته الشاعر بسبب الفتاوى المتلبسة برداء الدين، التي ولّدت الإرهاب وغذّته وصنعته بل وحركته للفعل والعمليات الإرهابية، يشي بذلك قول الشاعر في البيت الأخير:
وتعال كي نجلو الحقيقة في الدجى أن الذي أفتى هو الإرهابي
كما يلاحظ القارئ/ المتلقي تلك الأوصاف القبيحة لهذه الفئة التي تمترست وراء الفتيا فهم:
- أبناء آوى (ثعالب) في جلود ذئاب!!
- غيبوا سماحة الدين وبشاشة الوجه!!
- زرعوا القطيعة بين الجماعات.
- رعوا النميمة والوشاية والكذب.
- لم يدفعوا الحد عن التائبين وأخذوهم بالشبهة.
- لم يرحموا حال الفتيات والنساء (ذوات الخضاب).
- لم يعرفوا رحمة الله التي وسعت ذنوب العباد.
- أسرجوا خيل الضلالة.
- زينوا للمراهق الفتن والقطيعة.
كل هذه السمات والصفات تدل على قبح الفعل والفاعل، وتعطي دلالة على مضادة لتلك النورانية النبوية التي تحدث عنها النص في مستوى النبوة. وكأن الشاعر يقول لنا إن الواقع المعاصر يشي بظلامية مقيتة رغم النورانية التي أحدثها الفكر النبوي المحمدي!!
5/3 المستوى الرابط/ الاتصال والتداول:
وأعني به الأبيات المفردة أو الثنائية التي تقوم بدور الوصل والربط بين المستويين الرئيسيين في النص وهذه الأيات جاءت في موضوعات أربعة:
أم الشاعر، أم النبي صلى الله عليه وسلم آمنة، طيبة/ المكان/ الرمز، القرآن وقارئه، يقول الصيخان:
1- لما ذكرت حشاشة قد ودعت مني ومالت زهرتي لغياب
......
......
2- يا قبر آمنة استفق فوقوفه سيحيل هذي الجرد كالأعناب
3- يا طيبة الأطياب جئتك عاشقاً لسنى النبي وخافقي محرابي
4- أمشي وأزرع آية في خافقي تسقي هشيم الورد والأعصاب
5- نور على نور يضيء بصبرتي وبها عرفت خطيئتي وصوابي
6- يا طيبة الأطياب جئتك شاكياً أبناء آوى في جلود ذئاب
7- الله نور الأرض علَّم بالقلم من ليس يعلم يا ذوي الألباب
8- يا قارئ القرآن رتل آيه وتعال كي أدني إليك إهابي
9- لتعطر الروح الضريرة بالسنى ويطيب من ألم الرواح إيابي
وهذه الأبيات (التسعة) في مجملها تحمل إشارات ودلالات روابطية بين المستوى الأول/ المستوى النبوي/ المحمدي، والمستوى الثاني/ المستوى الدنيوي/ الواقعي الإرهابي.
ففي البيتين (الأول والثاني) من هذه المجموعة ربط وإيصال بين أم الشاعر زهرة التي مالت إلى الغياب/ الموت وبين قبر آمنة/ أم النبي صلى الله عليه وسلم والشاهد هنا الموت/ الغياب، الوقوف للذكرى والحنين!!
أما الأبيات (3-6) ففيها ربط بين ذات الشاعر وروحانيته وتلازمها مع المكان/ الرمز/ طيبة وأثر هذا المكان/ الرمز على الشاعر والروحانيات ف/ طيبة الأطياب جاءها الشاعر عاشقاً لسنى النبي المصطفى!!
جاءها وقلبه محرابه، وهنا قمة التماهي الروحاني الصوفي حيث يتحول محراب الشاعر من الخارج إلى الداخل إلى القلب/ الخافق.
جاءها والآيات تنزرع في خافقه، آيات القرآن، آيات المآثر والآثار النبوية التي تنير البصائر، ويعرف الشاعر خطأه من صوابه، وفي هذا دلالة وإشارة إلى التوبة/ الرجوع/ تصحيح المسار!!
وأما الأبيات (الثلاثة الأخيرة 7-9) ففيها الرابط القرآني الذي هو نور الله في الأرض، ويعطر الروح الضريرة بالسنى، ويشفي من الآلام والأوصاب الدنيوية.
وهنا لي وقفة مهمة مع البيت (السابع) في هذه المجموعة وهو نفس البيت رقم (26) من القصيدة كاملة الذي يقول فيه الصيخان:
الله نور الأرض علم بالقلم من ليس يعلم يا ذوي الألباب
والرؤية النقدية تقول إنه بيت منبت لا علاقة له بما قبله أو بعده، بيت لاشعرية فيه وحشو زائد لا يتناغم مع القصيدة، أو كأنه إقحام جاء في غير محله وهو تكرار لكلام من مقولات الناس لا جديد فيه فكأنما هو تفسير للماء بالماء!!
نعم الله نور الأرض...
نعم الله علم بالقلم...
فما الجديد هنا وأين الشعرية فيه؟!
٭ ٭ ٭
(6) خاتمة:
وهكذا وجدنا النص يتناغم نصوصياً وفق سياقات متكاملة يردف بعضها بعضاً لتتشكل من أبياته وقوافيه وحدة موضوعية متجانسة متصاعدة عبر ثلاثة مستويات:
المستوى الأول: المستوى النبوي/ المحمدي/ النوراني، وكله سماحة ودين ورحمة وخيرية ونورانية «تسقي هشيم الورد والأعصاب» «وبها عرفت خطيئتي وصوابي» «ويحيل هذي الجرد كالأعناب»
والمستوى الثاني: المستوى الدنيوي/ الواقعي/ الإرهابي وكله عنف، نميمة، كذب ضلالة، فتن، فتاوى إرهابية، خروج عن الدين:
«غيبوا في الدين فيض سماحة»
«زرعوا القطيعة بين كل جماعة»
«لم يعرفوا في الله رحمته التي .....»
«أفتى وأسرج للضلالة خيله»
«أفتى وزين للمراهق فتنة»
«أفتى وأوعز صدره وفؤاده»
«أن الذي أفتى هو الإرهابي»!!
وأما المستوى الثالث والأخير: فهو المستوى الذي أشبهه بالعمود الفقري الذي يربط بين أجزاء القصيدة وبالتالي يربط بين المستويين الأول والثاني فهو يميل تارة إلى الروحانية، والنورانية التي تبثها الحضرة النبوية في النص، والتي يثيرها - أيضاً - المكان/ الرمز/ طيبة الأطياب بكل فضاءاتها المشحونة بروح النبوة وآثارها ومنجزاتها المشعة سناً ونوراً وطيباً. وتارة يميل إلى الواقعية والمعاصرة التي تبثها «زهرة» أم الشاعر التي توفيت قبل كتابة القصيدة - كما يقول في هامشها - مستحضراً في ذلك قبر آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم «قبراً نديَّ تراب» و«ياقبر آمنة استفق» لتتحول الأماكن الجرد المجدبة المحيطة بالقبر إلى جنات وأعناب!!
في هذه الفضاءات، يتنامى النص، لنجد أنفسنا - في النهاية - أمام ثنائية النور/ الظلام.
النور: الرباني/ المحمدي/ النبوي.
والظلام: الدنيوي/ مشايخ الفتيا والفتوى/ الإرهابيين.
لكن الأجمل في هذه الثنائية أن الظلامية تتوارى خلف النورانية فلا يبدو في المشهد إلا النورانية في أكثر أبيات القصيدة بمفرداتها المباشرة ودلالاتها الرمزية وفضاءاتها الإشارية، وهنا ثبت بتجليات النور والظلمة بمفرداتها النصية المباشرة:رقم البيت المضمون10 أرسلت والدنيا ظلام...11 ورحلت والدنيا ضياء.. والمدى نور...12 جئتكِ عاشقاً لسنى النبي..14 نور على نور يضيء بصيرتي..26 الله نور الأرض...28 لتعطر الروح الضريرة بالسَّنى29 وتعال كي نجلو الحقيقة في الدجى
وهنا تتضح دلالات النور وكثرتها مقابل الظلام الذي لم يرد إلا مرتان واحدة. ولكن الإشارات والإحالات النصية التي تدل عليه سنجدها بين السطور والقوافي من مثل:
الجرد.. (الأرض المجدبة)
المعارك والخراب
خيل المؤمنين كوابي
هشيم الورد والأعصاب
وعرفت خطيئتي...
أبناء آوى في جلود ذئاب
نميم الواشي الكذاب... إلخ
لكنها تتضح بشكل سافر في آخر بيت من القصيدة:
"وتعال كي نجلو الحقيقة في الدجى أن الذي أفتى هو الإرهابي"
وهنا نربط - نقدياً - بين الإرهابي الذي يمثل الظلامية في آخر النص وبين القبر العظيم. وجيرة الصديق والخطاب، وسيد الثقلين الذي يمثل النورانية في أوائل النص لنؤكد أن القصيدة تتماهى بين ثنائيتي النور/ الظلام لكنها إلى النورانية تتجه، ومن النورانية تنطلق، وفي النورانية تتنامى، وهذا هو الشاعر عبدالله الصيخان بكل نورانيته الشعرية!!
عبدالله الصيخان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.