ما زالت العادات الحجازية في المناسبات الدينية تعتبر مرتكزا رئيسيا لدي الأسر الجداوية وأهالي الحجاز بشكل دائم، فمحافظة أهالي الحجاز على عاداتهم وتقاليدهم التي تمثل موروثهم الاجتماعي، من أهم السمات الأساسية للمجتمع، ففي كل عام في شهر ذي الحجة تحرص الأسر على إحياء عادات قديمة يتم تنفيذها بصور حديثة وطريق تتناسب مع روح العصر لكنها لا تخلو من الطابع التراثي، ومن تلك العادات ما يعرف "بالنثيرة" المخصصة للاحتفال بعيد الأضحى واستقبال الحجاج القادمين من المشاعر المقدسة بعد أن يمنّ الله عليهم بأداء فريضة الحج. ويقول العم حسين جدواي من سكان منطقة البلد: إن الأسر الحجازية تحرص على إحياء العادات والتقاليد القديمة في موعدها من كل عام ومن ذلك ما يعرف بالنثيرة، وترجع هذه العادة الاجتماعية إلى سنين طويلة، موضحا أن السيدات يقمن بتجهيز مكونات النثيرة منذ بداية شهر ذي الحجة، حيث يحرصن على جمع الحمص واللوز والحلوى الملونة والفستق لاستقبال الحجاج بعد انتهاء موسم الحج، وهي عادة من أهم الموروثات الاجتماعية التي تحافظ عليها النساء الجداويات. ويضيف: يعود تاريخ النثيرة إلى عهد الأتراك والعثمانيين في منطقة الحجاز فهم من أكثر الأجناس التي كانت تحرص على هذه العادة وتم اقتباسها منهم في منطقة الحجاز، حيث تقوم السيدات أو الرجال بإلقاء و”نثر” الحلوى على الحجاج بعد عودتهم من الحج، وكانت النساء في الماضي يخلطن تلك الحلوى ويضعنها في صينية كبيرة ثم يحملنها بصحبة الأطفال والرجال، ويمضين في شبه موكب تصاحبهن الزغاريد والأناشيد ترحيبا بعودة الحجاج من المشاعر المقدسة. ويشير بائع النثيرة في سوق العلوي بجدة خالد الصيرفي إلى أن محلات بيع النثيرة تشهد إقبالا ملحوظ خلال هذه الأيام خاصة من قبل الأسر الجداوية العريقة، موضحا أن "النثيرة" تكمن أهميتها في رغبة الكثير من تلك الأسر في ربط أبنائها بماضيهم والتراث الحجازي. وأشار إلى أنه يحضر الحلوى الملونة "الملبس" في بداية شهر ذي الحجة من خلال التجار الأتراك الذين يأتون للمشاعر المقدسة لأداء مناسك الحج بعد الاتفاق المسبق معهم. أما فيما يخص باللوز والفستق والقضامة والفول السوداني التي تعتبر من مكونات النثيرة الأساسية فيتم إحضارها طازجة من تجار المكسرات المعروفين، وكذلك تدخل بها الحمصية وحمص الحلو وحمص الجوهري والخروب، موضحا أن الخروب هو من الأشجار المعروفة في فلسطين وبلاد الشام وهي شجرة كبيرة دائمة الخضرة، يصل ارتفاعها إلى 15 متراً، ويتم احضار أخشابها بعد تقطيعها عبر التجار من بلاد الشام. وعن أهم الزبائن لديه يقول: تأتي لنا سيدات سعوديات بحثا عن مكونات النثيرة وكذلك نساء من بعض الجنسيات العربية اللواتي أخذن عن أهل البلد عاداتهم وتقاليدهم وذلك لإقامتهن لفترات طويلة في المملكة. وأضاف: تعتبر الحلوى الملونة أحد أهم الهدايا التي يحرص عليها الحجاج لأخذها إلى بلادهم باعتبار أن هذه الحلوى أخذت من الأراضي المقدسة، وكذلك لما تتميز به هذه الحلوى من طعم خاص ونكهة لا تنسى بسهولة مع ألوانها الزاهية والتي تحمل ذكرى غالية وهي أداء فريضة الحج والاحتفال بعيد الأضحى.